العولمة والديمقراطية والمجتمع.. تقييم

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الخميس 15 يناير 2015 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة ديبلوماتيك كورير المتخصصة فى قضايا الشئون الخارجية مقالا لريتشارد روسو الباحث، وأستاذ مشارك ورئيس قسم الإنسانيات والعلوم الاجتماعية فى الجامعة الأمريكية برأس الخيمة فى الإمارات العربية المتحدة، يتناول فيه دور المجتمع المدنى فى عملية النمو والتنمية السياسية، متساءلا هل شجع نمو المجتمع المدنى الحكم الذاتى الشعبى، وبشكل أخص فى البلدان النامية؟ فقد أيد كثيرون من الداعين إلى التغير الاجتماعى التقدمى المجتمع المدنى ــ «القطاع الثالث» ــ باعتباره حلبة للفضيلة لها قدرة التغلب على الهيمنة فى الحكومة والاستغلال فى اقتصاد السوق الحرة.

ويوضح روسو أن عادة ما تشير عبارة «المجتمع المدنى» إلى الجمعيات التطوعية التى يسعى نشاطها إلى صياغة السياسات والمعايير والبُنى الاجتماعية الأعمق. ولهذا فالمجتمع المدنى مميز عن كل من المؤسسات العامة والتجارية، وإن كانت الحدود تصبح غير واضحة أحيانا (على سبيل المثال فى إحدى جماعات الضغط التجارى بشأن القضايا الاجتماعية). وتشمل جماعات المجتمع المدنى، التى تسمى كذلك المنظمات غير الحكومية، جهات حماية المستهلك والمنظمات ذات الأساس المجتمعى والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث والحملات البيئية ومنتديات الأعمال وجماعات التعاون والجمعيات التعاونية والنقابات العمالية والمؤسسات الخيرية وجماعات الضغط العرقية ودوائر العشائر والقرابة والمنظمات الإجرامية ومنظمات الإغاثة والمؤسسات الدينية وحملات الشباب والمدافعين عن حقوق الإنسان، وجماعات المزارعين وناشطو السلام وشبكات النساء والجمعيات المهنية وغيرها. وجزء كبير من المجتمع المدنى يشكِّل ويسجل بشكل رسمى، لكن الكثير من الأنشطة المدنية الشعبية عشوائية وغير رسمية.

<<<

وفى إشارة إلى انتشار دور المجتمع المدنى، يوضح أنه بدأ الحديث عنه فى الإنتشار خلال التسعينيات. وتحدث المعلقون حينها عن «المنظمات غير الحكومية الدولية» و«شبكات الدفاع المتعدية للقوميات» و«الحركات الاجتماعية العالمية» و«التعددية الجديدة»، وهلم جرا.

والواقع أن أشخاصا كثيرين يجدون تمكينا كبيرا من خلال المجتمع المدنى. فعلى سبيل المثال، غالبا ما تسمح مجموعة كبيرة من الجمعيات للمعاقين والشباب والمثليين والسكان الأصليين بالتعبير عن آرائهم بطرق ومقادير لم تكن متاحة لهم على المستوى القومى. وبالإضافة إلى ذلك توفر بعض الأنشطة المدنية (مثل الكثير من جمعية النساء) أمثلة مشجعة من السياسة غير التراتبية وغير السلطوية وغير العنيفة التى على قدر كبير من التشاركية.

ويضيف روسو أنه غالبا ما أسهمت الحركات البيئية وجماعات المستهلكين والمدافعون عن حقوق الإنسان بتثقيف مدنى قيم بشأن القضايا التى تهتم بها. وطلبت المنظمات غير الحكومية مرارا من الوكالات الرسمية لتبرير سلوكها عندما تكون مشروعات التنمية ضارة للمجتمعات المحلية. ويقدم العديد من مؤسسات المجتمع المدنى التى لها عمليات عالمية (مثل فورد وماك أرثر وسوروس وغيرها) موارد لدعم الديمقراطية الشعبية فى عشرات البلدان.

ويرى روسو أن كثيرا ما تحسِّن أنشطة المجتمع المدنى الديمقراطية فى العولمة بتحفيز النقاش المفتوح والقائم على المعلومات. وتصبح الحوكمة الديمقراطية ممكنة من خلال النقاشات الديناميكية غير الخاضعة للرقابة التى تشمل جماعات المجتمع المدنى التى يتم فيها التعبير عن وجهات نظر ورؤى متنوعة، أو ترعاها تلك الجماعات. وتحدت الكثير من الجماعات والجمعيات المدنية الأجندات والمناهج والتفسيرات والوصفات الراسخة المتعلقة بالعولمة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو البيئية. وهذه الأنشطة يمكن أن تسهم فى الحفاظ على قوة وفاعلية تفكير القوى السياسية وسياستها. بل كان للنقد من عدد من دوائر المجتمع المدنى دور مهم فى إلقاء الضوء على عيوب سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى بشأن العولمة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم أنشطة المجتمع المدنى فى تشريع ديمقراطى لحوكمة العولمة. وتكون السلطة مشروعة عندما يشعر المشاركون أن الحكام لديهم حق فى حكمهم، وأنهم كمواطنين عليهم واجب الخضوع للقوانين الراسخة.

<<<

وعلى الجانب الآخر ما زالت قدرة المجتمع المدنى العالمى على التشريع متخلفة إلى حد كبير حتى الآن. ويطرح روسو مثالا على بعض المناطق، فهناك أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وبلدان الاتحاد السوفيتى السابق، والكثير من أنحاء العالم الأخرى ــ لديها مُدخل مجتمع مدنى قليل بشأن العولمة، فقط لأن دول هذه المناطق لا تسمح بخلق منظمات اجتماعية مستقلة حقيقية أو لأنها أممت كل المنافذ الإعلامية تقريبا. وحتى فى الأماكن التى نما فى النشاط المدنى العالمى على نطاق واسع، فلم يولِّد فى حالات كثيرة سوى إسهامات متواضعة للتثقيف المدنى، وتمثيل المشاركين، ومناقشة السياسات. ولهذا السبب لم يتحقق جزء كبير من وعد المجتمع المدنى العالمى.

علاوة على ذلك، ليس لدى الجمعيات المدنية العالمية أسس تجعلها راضية بشأن مصداقيتها الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك، فإنه عند الممارسة غالبا ما تولى هذه الجمعيات كلها اهتماما غير كاف للمسائل المتعلقة بعمق المشاركة التى تسمح بها لأفرادها. وفى أحيان كثيرة تفتقر منظمات المجتمع المدنى كذلك إلى آليات التشاور والشفافية والمحاسبة العامة المناسبة. ويمكن لأى حركة مدنية أن تدار بسلطوية إدارية من أعلى لأسفل تماما مثل أية إدارة حكومية أو وزارة أو شركة أعمال. بل إن بعض المنظمات المدنية، التى تضغط كأشد ما يكون من أجل التحول الديمقراطى للعلاقات العالمية، تكشف عن فشل ديمقراطى كبير فى ممارساتها. على سبيل المثال، الشبكة العالمية للحقوق والتنمية، وهى جماعة مركزها النرويج تأسست عام 2008 ولها صلات مزعومة بالإمارات العربية المتحدة، يمولها مانحون مجهولون بما يصل إلى 4،4 مليون دولار فى العام، طبقا لما ذكره برايان ويتاكر الصحفى والكاتب المخضرم المهتم بالشرق الأوسط.

وهكذا يجد الكاتب أن نسبة صغيرة فحسب من سكان العالم أصبحوا حتى الآن مشاركين بفاعلية فى النشاط المدنى العالمى. فمعظم الناس لهم مشاركة قليلة فى عملية «وضع سياسات» جمعيات الأعمال الدولية والمنظمات غير الحكومية والشبكات المهنية والوكالات الدينية والنقابات، والأخيرة متورطة فى بعض الحالات فى أنشطة إجرامية. إن المجتمع المدنى العالمى فى الغالب محفوظ لعدد صغير نسبيا من الناشطين الذين يعملون كل الوقت.

وبرغم صغر حجم الناشطين يرى الكاتب تناقضا، حيث إن محترفى المجتمع المدنى لديهم نوايا طيبة فيما يتعلق بالديمقراطية، فإنهم ليسوا ممثلين بشكل خاص لعامة الناس فى العالم. ذلك أن النشاط المدنى العالمى ينفذه بشكل كبير جدا البيض أو الشماليون أو الحاصلون على تعليم جامعى أو من يجيدون استخدام الكمبيوتر أو أشخاص لديهم أملاك. وفى منتصف العقد الأول من القرن العشرين كان 15 بالماء من المنظمات غير الحكومية المصرح لها بالعمل مع الأمم المتحدة مركزها الجنوب العالمى، ولم تتحسن هذه النسبة. علاوة على ذلك، فالكثير من الجمعيات المدنية التى تزعم أنها «شعبية» فى المناطق الفقيرة من العالم هى فروع لمنظمات موجودة فى الشمال أو عضويتها فى المقام الأول من النخب المحلية فى الجنوب.

تكشف الجمعيات المدنية العالمية عن «عجوزات ديمقراطية» فيما يتعلق بالشفافية. فالكثير من جمعيات الأعمال القانونية وجماعات المجتمع المحلى والحركات العمالية والمنظمات غير الحكومية والهيئات الدينية ومراكز الأبحاث لا توضح من هى، وما هى الأهداف التى تسعى لتحقيقها، ولا من أين تحصل على أموالها، ولا كيف تصل إلى مواقفها السياسية، الخ. ولا يصدر الكثير من الجماعات المدنية تقارير سنوية عن أنشطتها، أو تجعلها متاحة بسهولة للجمهور.

<<<

وبالمثل، يشير روسو إلى أن الكثير من جماعات المصالح العالمية لها سجل سيء من المحاسبة العامة. والكثير منها غير مسجل لدى السلطات ذات الصلة فى البلدان التى تعمل بها. ومعظم جماعات المصالح لا تجرى انتخابات منتظمة مراقَبَة من جهات مستقلة لمسئوليها، ولا تجرى تقييمات خارجية لأنشطتها وتنشرها. وفى الغالب يكون العاملون فى المنظمات المدنية العالمية مسئولين فقط أمام مجالس الأمناء المنتخبة ذاتيا فى كثير من الأحيان، والممولين الخاصين (الكثير منهم مجهولون) والمانحون الرسمين، الذين لهم اتصال قليل بعملائهم.

ويختتم روسو بأنه من حسن الحظ أن بعض المنظمين المدنيين أصبحوا على وعى بالعيوب الديمقراطية لجزء كبير من المجتمع المدنى التى تزعجهم. وتطالب أصوات نقدية بقدر أكبر من المسئولية الاجتماعية من جمعيات الأعمال، وإنهاء المحسوبية فى النقابات، وقدر أكبر من الحوار والشراكة بين منظمات المجتمع المدنى الشمالية والجنوبية، ورأى أكبر فى كل قطاعات المجتمع المدنى للجماعات الاجتماعية المهمشة. ومع ذلك لا يتوقع روسو بأنه يمكن القول بما إذا كان هذا الخطاب الواعد سوف يحدث تغيرا ديمقراطيا كبيرا طويل المدى فى المجتمع المدنى أم لا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved