كما يكون نظامكم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 15 يناير 2016 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

حين فوجئ المصريون بالممارسات العبثية التى شهدها مجلس النواب فى أسبوعه الأول وظهرت حملة الانتقادات والتندر على مواقع التواصل الاجتماعى، جاء الرد التبريرى سريعا فى وسائل الإعلام. فقرأنا أن ذلك اختيار الشعب وهو مسئول عن اختياره. وقالت إحدى الزميلات إن المجلس بكل ما فيه يشبهنا تماما. وترددت فى عدة كتابات البعض مقولة «كما تكونوا يولى عليكم»، التى قدمت باعتبارها حديثا نبويا يحمل الشعب المسئولية عن أداء الذين يحكمونه. لست فى وارد استعراض الانتقادات لأنها متوافرة بكثرة على مختلف المواقع، لكن ما أثار انتباهى فى الأصداء أمران، الأول أن الذين برروا للمجلس ودافعوا عنه اعتبروه تهمة حرصوا على درئها، أو عورة سعوا إلى تغطيتها. الأمر الثانى أنهم ألقوا بالكرة فى ملعب المجتمع، بمعنى أنهم أرادوا أن يقولوا لنا بأنه هو الذى أفرز هذه التشكيلة أو النماذج التى ينتقدها الناس أو يتندرون عليها. وبالتالى فعلينا أن نلوم أنفسنا قبل غيرنا.
المكتوب يقرأ من عنوانه. كان ذلك تعليق أحد الأصدقاء على رأى دعوت فيه إلى التمهل فى إصدار الحكم على المجلس، وفضلت أن ننتظر فى التقييم إلى ما بعد مرحلة الإجراءات والدخول فى مباشرة المهمة. إلا أن محدثى أفحمنى حينما قال إن عنوان المكتوب الذى لم يكن مبشرا كان كافيا، ثم إن خلفيات العملية التى أفاضت وسائل الإعلام فى الكشف عن تفاصيلها لا تشجع على التفاؤل بدور إيجابى للمجلس، حيث لن نحصل على ثمار من جنس آخر مختلفة عن البذور التى زرعت.
لأننى مازلت عند رأيى الداعى إلى الانتظار، إلا أننى وجدت أن ثمة تغليطا وتدليسا فى التبرير الذى جرى تسويفه لتحميل المجتمع بالمسئولية عن الصورة التى ظهر بها المجلس. بوجه أخص حين استخدمت فى هذا الصدد مقولة «كما تكونوا يولى عليكم». إذ كنت فى وقت سابق أقول إن ذلك الكلام يصح حينما يكون أولو الأمر قد جاءوا إلى مواقعهم من خلال الاختيار الحر للناس. أما إذا لم تكن تلك الحرية متوافرة فلا ينبغى أن نتهم الناس ونحملهم أوزار أولئك المسئولين. وإذ مازلت أرى صواب ذلك التحليل، إلا أننى حين بحثت فى أصل المقولة التى تقدم باعتبارها حديثا نبويا، وجدت أنه لا أصل شرعيا لها. ذلك أن المحدثين وأهل العلم أما أنهم يعتبرونها حديثا ضعيفا لا يعول عليه، أو أنه حديث موضوع لم تثبت نسبته إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم). وإلى جانب ضعف النسب، فإن الخبرة العملية أثبتت فساد مضمون المقولة، لأن مجتمعات المسلمين على مدى تاريخها عرفت حكاما أشرارا وظلمة فى بعض المراحل، كما عرفت بعدهم حكاما أخيارا فى المراحل ذاتها. أعنى أن المجتمع الواحد عرف الاثنين، ولم يكن ذلك راجعا إلى متغير فى طبائع الناس وإنما كان ذلك أوثق صلة بطبائع الحكام وآليات توليهم للسلطة.
الأمر الآخر الذى يتجاهله البعض ان المجلس جرى ترتيبه وهندسة توجيهه بواسطة أجهزة الدولة. وبين أيدينا الآن عديد من الشهادات التى تروى تفاصيل هذه العملية، بعضها فصل فى الاجتماعات التى عقدت لهذا الغرض داخل مقار بعض الأجهزة. والبعض الآخر كان بمثابة اعترافات من جانب بعض أعضاء المجلس روت كيف أن ترشيحهم أو التحاقهم ببعض الائتلافات التى تشكلت لم يكن اختيارا من جانبهم، ولكنه كان استجابة لما طلب منهم. لا أستطيع أن أعمم لأن بعض النواب كانوا ممثلين حقيقيين لدوائرهم الانتخابية وليس لأى جهة أخرى. لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن عددا غير قليل من النواب والائتلافات كانت انتخاب الأجهزة قبل انتخاب قواعدهم. ولا يحتاج الباحث لأن يبذل جهدا كبيرا للتحقق من ذلك فما نشرته الصحف اليومية فيه الكفاية، وما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعى متجاوز لحد الكفاية.
ما أريد أن أقوله إن القوى المؤثرة فى البرلمان، التى تهيمن على الأغلبية فيه تمثل الإدارة السياسية بأكثر مما تمثل المجتمع. من ثم فأداؤها يصلح لتقييم موقف ورؤية أجهزة السلطة بأكثر ما يعول عليه فى الحكم على المجتمع. لذلك أزعم بأن إلغاء تسميته بأنه مجلس الشعب كان قرارا صائبا وموفقا، إذ إن اعتباره الآن مجلسا للنواب لا يعنى بالضرورة أنه يمثل الشعب، وإنما يتسع لاحتمال نيابته عن السلطة أيضا. وهو الاحتمال الأصوب والأكثر دقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved