تأثير التكنولوجيا على سوق العمل

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 15 يناير 2017 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

نرى ونسمع في كثير من المناسبات أن التكنولوجيا المتطورة ستؤدى إلى فقد الكثيرين لأعمالهم وزيادة البطالة، فهل هذا صحيح؟ الهدف الأساسي للتكنولوجيا هو زيادة رفاهية الحياة والبطالة ليست من الرفاهية في شيء فكيف يستوى هذا وذاك؟ بمعنى آخر: نريد أن نعرف ما هو تأثير التكنولوجيا على سوق العمل؟ وهل هو تأثير سلبى أم إيجابى؟

التكنولوجيا تطور من قدرات البشر فبدلاً من السير على الأقدام استخدم الإنسان الدواب أولاً ثم توالت الإختراعات (المعتمدة على نظريات علمية) وظهرت السيارات ثم الطائرات وكل هذه المخترعات تطوير لقدرات الإنسان على التحرك وسرعته، كان الإنسان يعتمد على جنى الثمار واستلزم ذلك كثرة التنقل ولكن عند إكتشافه الزراعة تمكن من السكن في منطقة معينة والتحكم في الثمار ومع تقدم التكنولوجيا ظهرت الآلات الزراعية وتقدمت فنون الزراعة فزادت رقعة الأرض الزراعية ومن ثم المحاصيل، وإذا نظرنا إلى السكن والبناء فسنجد أن التكنولوجيا طورت من قدرات الإنسان الذى كان يسكن في الكهوف ثم تطور ذلك إلى بناء بسيط من الطين يبنيه بيده وإنتهى إلى ناطحات السحاب التي تُبنى بالآلات ... هناك العديد والعديد من الأمثلة التي تدل على أن التكنولوجيا هي تطوير لقدرات الإنسان ... وهذا شيء جيد أليس كذلك؟

مع وجود السيارات والأوتوبيسات والقطارات إختفى التنقل باستخدام الدواب وفقد من يعملون في هذه المهنة عملهم، مع استخدام مواسير وخزانات المياه فقد السقا عمله ... وهكذا أدت التكنولوجيا إلى إختفاء أعمال معينة وخسارة ممتهنيها لمصدر رزقهم!
إذا نظرنا إلى المهن التي تختفى عبر التاريخ لوجدنا إنها في الأغلب هي المهن التي لا تحتاج قدرات عقلية كبيرة.

لننظر إلى الموضوع من وجهة نظر أخرى، وجود الآلات الزراعية تحتاج من يصنعها ويقودها ويتولى صيانتها، وجود السيارات والقطارات يحتاج من يصنعها ويقودها ومن يرصف الطرق والسكك الحديدية لها، بناء ناطحات السحاب يحتاج مهندس معمارى ومدنى وعمال يستخدمون أجهزة الحفر والبناء ... إذا فالتكنولوجيا كما كانت السبب في إختفاء بعض المهن فهى أيضاً السبب في ظهور مهن أخرى.

كما قلنا فإن المهن التي تختفى هي التي تحتاج إلى مجهود بدنى كبير ومجهود ذهنى قليل والمهن التي تصنعها التكنولوجيا تحتاج إلى العكس مجهود ذهنى أكثر بكثير من المجهود البدنى.

كلما تقدمت التكنولوجيا كلما كانت المهن التي تظهر بسببها تحتاج إلى مجهود عقلى كبير وهذا المجهود العقلى يحتاج إلى تعليم، إذا فمن لا يحصل على قدر مناسب من التعليم مهدد بفقد عمله نتيجة التكنولوجيا، وعندما نقول قدر مناسب من التعليم نعنى التعليم الحقيقي وليس مجرد الشهادة، أيضاً القدرات التي يحتاجها الشخص في عمله ليست ثابتة ولكنها تتطور لأن التكنولوجيا تتطور سريعاً وتتغير في حياة الشخص، فأنا مثلاً عندما كنت أراسل الجامعات في الخارج لدراسة الدكتوراه كنت استخدم البريد العادى والآن التقديم للجامعات يتم عبر الإنترنت! الأبحاث أثناء دراستى في المدرسة كانت تستلزم الذهاب للمكتبة للإطلاع على المراجع أما الآن فلعمل أي بحث علمى يستخدم الطلاب الإنترنت، إذا فالتعليم الذى يحتاجه المرء ليضمن عمله في هذا العصر ليس فقط تعليم المادة العلمية ولكن أيضاً التدريب على كيفية البحث عن المعلومة.

يبقى سؤال مهم: هلى عدد الوظائف التي تخلقها التكنولوجيا أقل أم أكثر من عدد الوظائف التي تقتلها؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال ولكن بالنظر إلى عدد السكان نجد أن الخدمات التي يحتاجها كوكب الأرض الآن أكثر مما كان يحتاجها في الماضى ولكن أيضاً شخص واحد يمكن أن يقوم بعمل أكثر بكثير من شخص في الماضى نتيجة للتكنولوجيا ... لخلق الكثير من الوظائف للتقليل من البطالة نحتاج إلى ماهو أكثر من التكنولوجيا نحتاج إلى الإدارة الحكيمة للتكنولوجيا والعدالة في توفير الخدمات.

هل هناك وظائف لن تختفى نتيجة للتقدم التكنولوجى؟ بمعنى آخر هل هناك قدرات بشرية لن تستطيع الآلة أن تقوم بها؟ الإجابة هي نعم فالآلة ليس لديها القدرة على الإبتكار مثلاً، الآلة تساعد الإنسان على الإبتكار ولكنها لا تبتكر بالرغم مما قد نظنه عندما نرى تطبيقات الذكاء الصناعى! ظهر كتاب في عام 2016 بعنوان (Humans Are Underrated: What High Achievers Know That Brilliant Machines Never Will) أو "البشر غير مقَدرين: ما الذى يعمله الناجحون ولا تستطيع الآلات العبقرية عمله" من تأليف Geoff Kolvin المحرر الكبير بمجلة Fortune ويناقش القدرات البشرية التي لن تستطيع الآلة أن تحل محلها!

هل اقتنعت الآن بأهمية التعليم؟ وبأهمية أن تتعلم كيف تتعلم؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved