شخصية عامة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 15 يناير 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

يستسهل البعض اللجوء إلى السخرية أو الشماتة، بدلا من التقييم الموضوعى للشخصيات العامة عندما يتم إقصاؤها عن مناصبها أو رحيلها المفاجئ، وهو ما لاحظناه بوضوح الأسبوع الماضى، عندما غابت عن المشهد شخصيتان بارزتان.. الأولى جراء «تقلبات السياسة» الحادة، والأخرى بفعل قدر الموت الذى لا يرد.
حالة السخرية والشماتة بدأت فى الظهور بقوة خلال العقد المنصرم، الذى يوصف بعقد الثورات والانقسامات، عندما هبت على مصر رياح التغيير خلال سنوات الربيع العربى. وبعد نجاح ثورة يناير فى الإطاحة برموز نظام مبارك، والقبض على بعضهم فى قضايا متنوعة، ارتفع سقف حرية التعبير أمام الجميع، ولم يعد هناك من يتمتع بحصانة من النقد سواء كان رئيسا أو وزيرا.
فى الأيام والأحداث اللاحقة للثورة، زادت هوة الانقسام بين جميع التيارات السياسية، وتحولت وسائل التواصل الاجتماعى إلى منصات للنقد العنيف بين الأطراف المختلفة، ثم تطور الأمر إلى حالة من الشماتة فى أى شىء يحدث للآخر حتى ولو كانت وفاة طبيعية.
الأسبوع الماضى تجددت هذه الحالة مع شخصين.. الأول الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب السابق، الذى لم يتمكن من الحفاظ على منصبه لولاية ثانية، وهى حالة لم تحدث من قبل فى التاريخ البرلمانى المصرى، أن يتحول رئيس المجلس إلى مجرد نائب عادى فى فصل تشريعى ثان.
تعامل البعض مع الموقف بشماتة بالغة، وبالأخص من كانوا يخلعون على عبدالعال أوصافا لا تتوافر إلا فى القادة التاريخيين العظام، لكنهم نسوا ذلك فجأة وخاضوا مع الخائضين، لمجرد أنه ألقى القسم وغادر جلسة البرلمان سريعا، وهو أمر مبرر إنسانيا لرجل دارت به الدوائر وتبدل حاله فى لحظات، ولم يقدر على استيعاب وهضم «الوضع الجديد».
الشخص الثانى هو صفوت الشريف، الذى كان من أهم وأقوى الشخصيات المؤثرة فى نظام مبارك على مدى ثلاثين عاما، سواء فى منصبه كوزير للإعلام أو رئيسا لمجلس الشورى.. فمجرد أن غيّبه الموت، حتى أطلت حالة الشماتة نفسها، وبدأ البعض فى توجيه أفظع أنواع السباب والاتهامات الأخلاقية لرجل أصبح إلى جوار ربه.
نعلم أن عبدالعال والشريف نموذجان للشخصية العامة، ويحق للجميع إخضاعهما للنقد بقوة، سواء فى حياتهما أو بعد مماتهما، نظرا لأنهما اختارا عبر منصبيهما أن يكونا جزءا من التاريخ، وبالتالى لا توجد حصانة لهما تحميهما من التقييم الموضوعى أوالنقد الجاد والحاد، لما قاما به من أعمال أو اتخذا من خيارات وقرارات أثرت على الحياة السياسية فى البلاد، لكن يجب أن يتم ذلك بدون شماتة أو تجريح شخصى.
ففى حالة عبدالعال، وبدلا من الشماتة كان يمكن التركيز على عدم إتقانه مهارات السياسة اللازمة لقيادة مؤسسة بهذه الأهمية، وامتعاضه من الأصوات المعارضة داخل البرلمان، والتصاقه التام مع السلطة التنفيذية التى يفترض أن يكون رقيبا عليها، ورفضه تنفيذ الأحكام القضائية مثل حكم إعادة الدكتور عمرو الشوبكى لمقعده البرلمانى، وموافقة مجلسه النيابى على قرارات وتشريعات اقتصادية أرهقت المواطنين، وتمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، التى أعادت جزيرتى تيران وصنافير للمملكة.
أما فى حالة صفوت الشريف، فيمكن القول إنه ساهم كأحد أعمدة نظام مبارك فى تجريف الحياة السياسية فى البلاد على مدى ثلاثين عاما، وتغييب دور مصر القيادى فى المنطقة، وترسيخ الفساد والاستبداد وإفقار المواطنين، ومارس إعلامه تضليلا هائلا لتحويل الإخفاقات إلى إنجازات والكوارث إلى انتصارات، ما ساهم فى بلورة الظروف الموضوعية لـ«الانفجار الكبير»، الذى حدث فى يناير ٢٠١١.
نعم لا حصانة للشخصية العامة، وينبغى ألا تكون لها حصانة من النقد الموضوعى طالما اختارت هذا الطريق، لكن بدون حملات الشماتة والتجريح الشخصى الممنهج، التى تزيد الفرقة وتعمّق الانقسام والاستقطاب فى المجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved