الفتنة غير النائمة فى أسيوط

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 15 فبراير 2010 - 9:52 ص بتوقيت القاهرة

 عندما تتم إدانة الفاعلين الرئيسيين لمذبحة ليل عيد الميلاد فى نجع حمادى بطريقة رادعة وسريعة وعادلة، ستصل الرسالة لمنفلتين كثيرين بأن العبث والنفخ فى ملف الفتنة الطائفية يكلف كثيرا.

لكن الإدانة حتى لو كانت الإعدام فى ميدان عام، لن تكفى وحدها لإطفاء نيران الفتنة الآخذة فى التصاعد.

ومن سوء الحظ أن غالبية من بيدهم الأمر لا يريدون أن ينظروا حتى تحت أقدامهم، ليروا أن النيران بدأت بالفعل تشتعل فى الثوب، ولن يمر وقت طويل حتى تطول الجسم نفسه، ووقتها لن ينفع الندم.

ليس ما سبق مقدمة إنشائية، فهذا الكلام قلته، وقاله قبلى كثيرون، لكن قبل عشرة أيام كنت فى زيارة سريعة لأسيوط لم تزد على يوم ونصف اليوم، قابلت خلالها كثيرين من أصدقاء الطفولة والأقارب وزملاء دراسة فى مدن وقرى المحافظة.

الجديد فى هذه الزيارة هى أننى صدمت من مستوى التربص والتحرش بين المسلمين والمسيحيين ما كان همسا صار جهرا، ومستوى اللغة العدائية يتزايد، ولا أحد يريد التماس العذر للآخر.

كثير من المسيحيين لديهم قناعة راسخة بأن هناك مخططا لتطفيشهم من «بلدهم» وأن الدولة بأكملها وضمنها الحكومة تتآمر عليهم وفى أحسن الأحوال «تطنش» على المتربصين بهم.. هذا الكلام وأكثر منه سمعته من أصدقاء مسيحيين، وبعضهم يرى المستقبل قاتما ما لم تحدث معجزة.

فى المقابل، فإن كثيرا من المسلمين ــ لديهم قناعة راسخة ــ بأن الحكومة تأخذ صف المسيحيين فى كل مشكلة تتعلق بمسلم ومسيحى، بل ويعتقدن بأن «أمن الدولة» تأخذ صف المسيحى فورا، رغم أن معظم الإخوة المسيحيين ــ بدورهم ــ يقولون إن كل أجهزة الدولة وفى مقدمتها أجهزة الأمن منحازة ضدهم.

ما صدمنى أن الحديث الطائفى البغيض فرض نفسه على كل الأحاديث التى كانت تبدأ روتينية وتنتهى طائفية.

قلت لمن تحدثوا معى بأن السبب الرئيسى لمشاكل المسلمين ليس هو وجود المسيحيين والعكس صحيح، وأن مشكلات الطرفين سببها واحد هو تخلف التعليم والاستبداد والفقر واحتكار السلطة، لكن كثيرا منهم للأسف أيضا ردوا على بأننى «أتفلسف» وأعيش فى برج عاجى.

الصدمة الأكبر أن هذا الحديث البغيض وبعد أن كان مقصورا فى الماضى على البسطاء، انتقل إلى كثير ممن يمكن أن نطلق عليهم قادة رأى، والأخطر أن بعض المسئولين يرددونه، وكأنهم يتحدثون عن أسعار توريد القمح، أو نقص أنابيب البوتاجاز.

أدرك أن كثيرين ممن يؤمنون بنظرية «مفيش أحسن من كده، والحياة لونها بمبى»، سوف يسارعون لنفى كل ما سبق، وأن ما أقوله محض خيالات مريضة.

أتمنى أن أكون مخطئا، وأن ما سمعته وشعرت به ــ وهو كثير ــ مجرد هلاوس بفعل الموجة الشديدة البرودة التى ضربت أسيوط قبل عشرة أيام.

كل ما أطلبه من الذين بيدهم الأمر، أن يتحققوا ويسألوا ويتحركوا، فربما منعوا تمدد النيران من الثوب إلى الجسد.


الفتنة بدأت تستيقظ فى أسيوط والصعيد.. تحركوا يرحمكم الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved