الورثة الحقيقيون للصهيونية

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، مقالا للصحفى، ستيفن إيرلانجر مدير مكتب لندن والمدير السابق لمكتب القدس للصحيفة، يستعرض فيه انقسام آراء بعض المسئولين السابقين والباحثين والسياسيين فى إسرائيل حول الأيدولوجية الصهيونية، متسائلا عن ماهية التيار الذى لازال يعتقد فى أنه يحمل راية الصهيونية. ويبدأ إيرلانجر مقاله بأن الصهيونية لم تكن أبدا أيديولوجية لطيفة. فقد قامت عودة الشعب اليهودى إلى وطنهم، حسب الكتاب المقدس واستئناف السيادة اليهودية هناك، على تهجير أولئك الذين يعيشون بالفعل على الأرض.

وفى ١٩٧٥ عرَف الجنرال الإسرائيلى إيجال آلون، الصهيونية، باعتبارها «حركة تحرر وطنى لشعب منفى من وطنه التاريخى، تشتت بين دول العالم». وبعد بضع سنوات، قال رحبعام زئيفى ذلك أيضا، وهو جنرال وسياسى يمينى متشدد، ولكن ربما بصورة أكثر فجاجة: «الصهيونية فى جوهرها صهيونية الترحيل»، مضيفا «إذا كان الترحيل غير أخلاقى، ستكون الصهيونية كلها غير أخلاقية». وفى إطار تلك الفجوة بين المثالية والواقعية، تدور المعركة الشرسة الآن فى إسرائيل، بعد نحو 65 عاما على تأسيس الدولة، حول الورثة الحقيقيين للصهيونية. فهل هم من يتمسكون بالرؤية العلمانية، الأممية، لمؤسسى البلاد، أو المستوطنون المتدينون القوميون الذين خلقوا مجتمعات ما وراء حدود عام 1967، ويسعون إلى ضم المزيد من الأراضى التوراتية لإسرائيل؟
***

ويشير إيرلانجر إلى النسخة الأقدم من الصهيونية، حيث قامت على إنشاء دولة يهودية، بإحياء اللغة العبرية، لتوحيد تنويعة هائلة من يهود الشتات. ويرى برنارد أفيشاى، مؤلف كتاب «مأساة الصهيونية» و«الجمهورية العبرية»، أن فكرة «الصهيونية السياسية»، بداية من عشرينيات القرن الفائت، خصوصا مع وقوع الهولوكوست، تطلبت قيام الدولة والجيش معا، لحماية اليهود ضد معاداة السامية، وتحويلهم إلى دولة حديثة، للدفاع عن أنفسهم، ولتحدى العالم، إذا لزم الأمر.

وكان لدى مؤسسى إسرائيل العلمانيين، من جيل ديفيد بن جوريون، رؤية مزدوجة لإسرائيل باعتبارها «ضوء بين الأمم»، ودولة مثل بقية الدول، جزءا من الجماعة الدولية للأمم، تتطلع إلى إقامة علاقة مع الخارج، وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما قال أيضا «عندما يكون فى إسرائيل العاهرات واللصوص، سنكون دولة تماما مثل أى دولة أخرى».

ويوضح إيرلانجر رأى من يدعون أنفسهم بالصهاينة «الجدد» ــ الصهاينة الدينيون – والذى يبدو مختلفا. فهم متأكدون من أنهم يمثلون المستقبل. حيث قال أحد المستوطنين إيجال كنعان «نحن الصهاينة الحقيقيون الآن»، وأضاف «وسنكون غالبية البلاد، شيئا فشيئا». ويعتبرون أنفسهم رواد هذا الجيل، الذين يتحملون مخاطر توسيع الدولة فى مواجهة التهديد من الفلسطينيين، الذين اعتبرهم السيد أفيشاى «نشاذا فى المشهد وسوف يكونون نازحين فى نهاية المطاف»، مثل آخرين نزحوا من قبلهم على أيدى اليساريين الصهاينة العلمانيين الذين بنوا الدولة الفتية. ويعتبر الصهاينة الجدد أنفسهم يحفظون وصايا الله ويعيشون فى مجتمعات مشتركة مثل أبطال إسرائيل الأوائل.

وفى مواجهة الانتقادات سواء المحلية أو الأجنبية، يعتقدون أنهم يبنون إسرائيل دينية وليست أوروبية أو عالمية.

وقال يارون أزراحى، المفكر السياسى وأستاذ فى الجامعة العبرية: «بررت الصهيونية العودة إلى الأراضى المقدسة على أساس القيم الكونية»، «كانت الفكرة أساسا لتحقيق التنوير والتنمية الثقافية، لتحقيق الفكرة العالمية فى الشرق الأوسط. ولكن المستوطنين مثال للخصوصية، والمحلية، جلبوا على الصهيونية السمعة السيئة. وإذا كانت الصهيونية حركة الأوروبية. فإن المستوطنين يمثلون الاستعمار فى حقبة ما بعد الاستعمار. لقد فقدت الصهيونية القيم العالمية».

ولم يكتف إيرلانجر بذلك وإنما أضاف رأى أورى درومى، المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء الليبرالى الراحل إسحق رابين، أن الإسرائيليين العلمانيين يشعرون «بالمحاصرة والتشاؤم» فى مواجهة المخاوف الأمنية الجديدة والسلطة السياسية للقوميين والمتطرفين دينيا. وزاد على ذلك بأنه «بدلا من أن نسعى لنكون أمة بين الأمم، صرنا اليوم، من خلال ما نفعله وليس ما نعلنه، شعبا وحيدا».
***

وقال يوسى كلاين هاليفى، زميل بارز فى معهد هارتمان شالوم للأبحاث: «الصهيونية الدينية خيمة كبيرة نسبيا، تضم أجنحة ليبرالية وقومية على نحو أكثر. وتعتبر المستوطنات أهم ابتكاراتها فى هذا الجيل» وأضاف «هناك شعور متزايد بأنها المستقبل الحقيقى للصهيونية، لأن الصهيونية العلمانية شهدت تراجعا على مدى عقود.» وأوضح أن المستوطنين تولوا المزيد من المناصب القيادية فى الجيش، ولديهم حركات الشباب الأكثر حيوية ولها تأثير كبير فى السياسة، ولذلك «لديهم شعور متزايد بالثقة فى النفس»، وتابع قائلا إن الخطر الحقيقى على الصهيونية الدينية لا يأتى من الفلسطينيين أو من الخارج، ولا حتى من اليسار الإسرائيلى المنكمش. ولكن اليمين العلمانى هو ما يخشاه المستوطنون، المتمثل إلى حد كبير فى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزبه، الليكود. وقال إن القوميين الدينيين «لديهم خوف مروع» من أن تقوم حكومة برجماتية أخرى، من اليمين العلمانى، بخيانتهم وتقويض حركة الاستيطان، مثلما فعلت حكومة شارون فى 2005 سحب جميع المستوطنين والجنود الإسرائيليين من غزة، وهو ما كان صدمة هائلة للصهاينة الدينيين. فتعلموا الدرس وسعوا إلى الاقتراب من حلفاء سياسيين أقوى.

ويختتم إيرلانجر بما أكد عليه أفيشاى بأن الصهيونية القديمة لم تنته بعد، وتواصل خلق «حقائق على الأرض». حيث إن كل شركات التقنية العالية الجديدة، وكل مطعم جديد وكل فيلم ناجح – بل إن مجرد وجود تل أبيب تعددية مزدهرة ــ تكشف نجاح الصهيونية التقليدية وأهمية استمرارها فى الحياة الإسرائيلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved