«ميكروفون» اليمانى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 15 فبراير 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

شهد العالم العربى خلال السنوات الأخيرة، تحولات جذرية فى طبيعة علاقاته مع الكيان الصهيونى، حيث لم يعد الكثير من دوله تعتبره عدوا ينبغى مواجهته حتى تحرير أرض فلسطين العربية المغتصبة، وإنما تراه «صديقا وفيا»، يمكن إقامة نوع من «السلام الدافئ» معه.
هذا التحول بالتأكيد لم يكن وليد سنوات الربيع العربى، الذى سرقت فيه ثورات نبيلة وضاعت خلاله أوطان عديدة جراء التدخلات الخارجية، وإنما يرجع إلى مرحلة ما بعد احتلال العراق للكويت عام 1990، حيث حرصت وقتها إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب، على أن يجلس قادة الكيان الصهيونى مع ممثلى الدول العربية على مائدة المفاوضات فى مدريد، من أجل إنهاء حلقات هذا الصراع الممتد من عشرات السنين.
لكن الفترة الأخيرة شهدت هرولة عربية وبالتحديد خليجية على تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، وهذا الأمر يرجع بالتأكيد لسببين رئيسيين، الأول الضغوط التى تمارسها إدارة ترامب على تلك الدول، والثانى الخوف من التهديد الإيرانى، الذى جعل الكثير من الدول الخليجية ترى أن من مصلحتها التقارب أو حتى التحالف مع إسرائيل لمواجهة ذلك الخطر.
«مؤتمر وارسو» الذى اختتم أعماله أمس، كان نقطة كاشفة عن المدى الذى بلغت فيه علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيونى.. فهذا المؤتمر الذى جمع ممثلى أكثر من 60 دولة لبحث الوضع فى الشرق الأوسط، وبرنامج إيران النووى والحد من انتشار أسلحة الدمار، شهد الكثير من اللقاءات الكفيلة بالتأكيد على أن قطار التطبيع قطع شوطا كبيرا فى اتجاه التقارب بين الجانبين، على الرغم من أن الكيان الصهيونى لم يقدم على اتخاذ خطوة واحدة باتجاه حل الصراع، ولم يتوقف عن بناء المستوطنات أو تدنيس المقدسات.
من بين اللقطات الكاشفة والمثيرة فى الوقت ذاته للأسى والحزن على ما وصل إليه حال الدول العربية، مبادرة وزير الخارجية اليمنى خالد اليمانى، بإعارة مكبر الصوت (الميكروفون) الخاص به على الطاولة إلى نتنياهو الجالس بجواره، والذى رد على تصرفه مازحا «إنها بداية التعاون بين إسرائيل واليمن.. خطوة بخطوة».
هذا الموقف دفع مبعوث ترامب للشرق الأوسط، جيسون جرينبلات إلى القول: «لحظة تشرح القلب، ميكروفون نتنياهو لم يكن يعمل فقام وزير الخارجية اليمنى بإعارته (ميكروفونه)». وتابع: «من المذهل أن تكون جالسا على بعد مسافة صغيرة من وزراء خارجية اليمن، وقطر، وعمان، والإمارات، والبحرين ونتنياهو (آخرون فى المنطقة هنا أيضا)، أجروا حديثا صريحا حول التحديات الإقليمية العديدة».
أما وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، فقد استغل المؤتمر إلى الدعوة لـ«عهد جديد من التعاون» فى مواجهة التحديات بالشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه «ليس بوسع أى دولة أن تبقى على الهامش، وأن إيران تشكل أخطر تهديد فى الشرق الأوسط، والعالم لا يستطيع تحقيق السلام والأمن فى الشرق الأوسط بدون مواجهة إيران، هذا غير ممكن».
لا ينبغى علينا التقليل من حجم المخاوف التى تنتاب الدول العربية، خصوصا الخليجية من التغلل الإيرانى فى الكثير من دول المنطقة، لكن فى الوقت ذاته فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مبررا لهذه الهرولة الكبيرة تجاه تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
فالولايات المتحدة التى تغذى بشكل كبير هذا الخوف من الخطر الإيرانى، لن تفجر حربا ضد طهران من أجل «عيون دول الخليج»، وإنما ستواصل استثماره فى ممارسة كل أنواع الابتزاز وإبرام الصفقات العسكرية بمليارات الدولارات، وكذلك السياسية خاصة «صفقة القرن»، التى تمنح إسرائيل حقوقا ليست لها فى أرض فلسطين العربية المحتلة.
إذن ما الحل؟.. نعتقد أنه آن الأوان لكى تبدأ الدول العربية حوارا جادا مع طهران من أجل معالجة جميع المخاوف المثارة، ووضع ضوابط لسلوك طهران فى المنطقة، حتى لا تكون تلك المخاوف ستارا يسمح للدولة العبرية بالتغلغل أكثر فى علاقاتها مع العرب، من دون التحرك خطوة واحدة باتجاه إعادة الأرض العربية المحتلة فى فلسطين إلى أصحابها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved