ليس بـ«الكشافة» تنفرج الأزمة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 15 فبراير 2020 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

يوم الأحد الماضى كتب الأستاذ ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» مقالا بجريدة الأخبار تحت عنوان «حركة ٣ يوليو».
المقال الذى احتل كامل الصفحة التاسعة، امتلأت مقدمته الطويلة بقلق عميق بشأن الأجيال الجديدة التى ولدت قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ بعشر سنوات، أو بعدها. وبالتالى لابد من تحصين هذه الأجيال الجديدة ضد الهجوم المضاد الذى تتهيأ أن تشنه جماعة الإخوان وأنصارها لقنص السلطة، خصوصا أنها ــ حسب تقديرات رزق ــ موجودة فى مفاصل دولاب العمل الحكومى.
من أجل هذه الهواجس والمخاوف يقترح ياسر رزق إنشاء منظومة «حركة ٣ يوليو» قاعدتها «طلائع ٣ يوليو» تجمع الحركة الكشفية من تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية لتنمية قيم التطوع وخدمة المجتمع ونبذ التعصب. ويكون ذلك بالتعاون بين وزارتى الشباب والتربية والتعليم والقوات المسلحة.
والمكون الثانى للحركة هو الجوالة والمرشدات من طلبة الثانوى، ومعهم روابط وأسر طلابية تنشأ بأسماء وضعها ياسر رزق مثل «٣٠ يونيو» و«تحيا مصر» و«بلادى» و«الوطن»، وجميعها تقوم على أساس فكرى يعتنق عقيدة الوطنية المصرية. وتجرى انتخابات اتحادات طلاب المدارس الثانوية من بين مرشحين لأعضاء طلائع ٢ يوليو، على أن تكون البنية الأساسية لهذه الحركة هى المدارس خلال الإجازة الصيفية أو بعد نهاية ساعات الدراسة ومراكز الشباب التى يزيد عددها على ٦ آلاف مركز، و٦٠٩ بيوت أو قصور ثقافة أو مكتبة. ثم تمتد أذرع المنظومة إلى سنوات الدراسة الجامعية والمعاهد والمدارس الفنية. أما الذراع الثالثة فهى الشباب من الخريجين والعمال والفلاحين تحت سن ٣٠ سنة، وهؤلاء سيتم الدفع بهم فى انتخابات مجلس إدارات مراكز الشباب والهيئات القيادية العليا لحركة الكشافة والمجالس المحلية واتحادات العمال والفلاحين والنقابات على أن يكونوا نواة لتطوير الأحزاب السياسية تحت مظلة ٣٠ يونيو.
يعتقد رزق أن اقتراحه يجنب مصر فتح ثغرات تسمح بتسلل عناصر الإخوان لأى تشكيلات ديمقراطية من الجامعات والنقابات إلى المحليات وإلى النقابات، كما أنه «يعوض عن تصحر الحياة العامة وتحجر السياسة وخواء الشارع الحزبى، وإكساب الدولة القدرة على الحشد عن طريق ربط المجموعات النوعية بشبكة اتصال تكنولوجية متقدمة».
فى نهاية المقال يقول رزق: «نحن فى حاجة إلى أفكار».
حرصت على عرض جوهر المقال من باب الأمانة أولا، وحتى أنطلق من كلماته للاختلاف مع فكرته شكلا ومضمونا، رغم ثقتى فى حسن نوايا ياسر رزق الذى أعرفه كزميل دراسة وصديق عمر. من بين كل ما كتبه رزق فى المقال، أتفق معه فقط، فى خوفه من تسرب الأفكار المتطرفة للأجيال الجديدة. لكن ما هكذا تورد الإبل.
الفكرة كان يمكن أن تكون مفيدة قبل خمسين سنة، وليس الآن. مناطق كثيرة فى العالم جربت الاتحادات الكشفية والجوالة خصوصا فى ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، وانتقلت لأماكن كثيرة ومنها مصر، حيث شهدنا القمصان الزرقاء والسوداء والخضراء والحمراء، على يد جماعات وتنظيمات مثل «مصر الفتاة» و«الإخوان» فى الأربعينيات من القرن الماضى، وبعضها تحول إلى أداة فى يد الاحتلال أو القصر لضرب الحركة الوطنية. هذه النوعية من التنظيمات كانت مرتبطة بزمن وظروف وعالم مختلف.
وحتى فكرة «منظمة الشباب» التى كان لها دور بارز، خصوصا فى حقبة الستينيات، قضى عليها أنور السادات فى لحظات. التنظيم السياسى الرئيسى فى هذه الفترة كان «الاتحاد الاشتراكى» الذى كانت عضويته إجبارية للالتحاق بالعديد من المناصب المهمة. هذا التنظيم كان مع عبدالناصر قلبا وقالبا ثم صار مع السادات بنفس الطريقة.
ما أريد قوله إن الزمن تغير، وكل هذه التنظيمات الفوقية، لن يكتب لها النجاح ولو ليوم واحد. وبالمفاهيم الحديثة فمن حق الكثيرين ان يسألوا عن المرجعية القانونية والدستورية والاخلاقية في ضم والحاق اطفال في الابتدائي والاعدادي والثانوي في فرق كشافة وجوالة سياسية،رغم صغر سنهم وعدم نضجهم..
الن يذكرنا ذلك بما كان يقال عن مفاهيم مماثلة في كوريا الشمالية وبعض البلدان التي كانت شيوعية؟.
كنت أتناقش مع بعض الزملاء، فقال لى أحدهم إذا كان الأب غير قادر على إقناع ابنه الذى يقل سنه عن عشرين عاما، فكيف يمكنه إقناع ملايين الشباب بفكرة غامضة؟!
أشارك رزق القلق من الظلاميين والمتاجرين بالدين، لكن رأيى، أن الحل ليس بتأميم العمل السياسى، بأكمله خوفا من فزاعة الإخوان، فهى أفضل خدمة للإخوان.
تصحر الحياة العامة، ليس سببه جماعة الإخوان فقط، ولكن تأميم الحياة السياسية منذ عشرات السنين، وهى أفضل تربة لتغلغل الإخوان والسلفيين. وحينما تكون هناك تعددية حقيقية حتى بالمواصفات المصرية ــ أى تستثنى المتطرفين ــ فسوف يكون هناك وعى وانتماء، حينما يشعر الجميع ومعهم الشباب بأن هناك أملا فى الغد.
يطالب ياسر رزق بتقديم أفكار، وفكرتى هى مزيد من الانفتاح والهواء النقى فى التربة السياسية العطنة، مع استبعاد كامل للمتطرفين بالقانون والدستور، ولنبدا بمظلة ٣٠ يونيو.
فى عصر «النتفليكس» وتراجع دور كل ما هو مركزى يصعب تماما الحديث عن الكشافة. نحتاج أفكارا تتلاءم مع العصر الذى نعيشه!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved