عندما لا يفعّل العمل العربى المشترك

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 15 فبراير 2023 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

فى الآونة الأخيرة أصبح كل حدث كبير يلم بهذه الأمة، سواء أكان طبيعيا أو معنويا، يكشف الكثير من المستور، ويشير إلى تراجعات مأساوية موجعة، ويحمل دلائل أخطار مستقبلية قادمة. والسبب الواضح الصريح هو غياب أو تشتت المواجهة العربية المتضامنة المشتركة للتعامل مع تلك الأحداث الكبيرة والتغلب على أسبابها أو نتائجها.
وسواء أكان الحدث مقتصرا على قطر عربى واحد أو على عدة أقطار أو على مجموع أقطار الوطن العربى كله فإن التعامل يظل يدور فى نفس دائرة الغياب أو التشتت دون أن تطرح الجهات المعنية سؤال كيفية الخروج من تلك الدائرة العبثية.
فى السنوات العشرين الماضية جرت أحداث كبرى. الحدث الأول تمثل فى الهجمة الإرهابية التكفيرية، بمسمياتها وقياداتها وتمركزاتها المتعددة، المنسوبة زورا إلى دين الإسلام الحنيف، والتى استغلتها قوى استعمارية وصهيونية خارجية، فكانت وما زالت وبالا على جميع المجتمعات العربية بصور متفاوتة.
ترى لو أن أنظمة الحكم العربية، وعلى الأخص وزارات الداخلية، كونت منذ البداية استراتيجية أمنية وقانونية تعاونية لمواجهة تلك الهجمة، فهل كان بإمكان قواها الاستمرار فى التواجد، فى هذا القطر العربى أو ذاك، إلى يومنا هذا؟
بدلا من ذلك اختار كل نظام حكم أن يتعامل مع ذلك البلاء بصورة منفردة تخدم هذه الأقلية أو تلك، وتهدف إلى زعزعة هذا النظام أو ذاك، وأحيانا باستعانة وتناغم مشبوه مع حكومات واستخبارات أجنبية تضمر العداء والكراهية لكل ما هو عربى، وبالتالى تتعامل مع موضوع الإرهاب بوجهين وقناعين كاذبين.
والأمر نفسه انطبق مع التعامل مع وباء الكورونا. فبدلا من أن يجتمع وزراء الصحة لوضع خطة وقائية وعلاجية مشتركة لمواجهة ذلك الوباء، انفرد كل قطر عربى بالاعتماد على إمكانياته المحلية المحدودة والمرتبكة، أو مد يد الاستجداء من هذه الدولة الأجنبية أو تلك. فكانت النتيجة موت الألوف غير المبرر، وتعثر الوقاية فى هذا القطر أو ذاك، وعدم قدرة البعض حتى على شراء لقاحات التطعيم الكافية لمنع انتشار المرض.
الآن، فى لحظة حدوث الزلازل المدمرة فى سوريا، نعود ونكرر نفس الخطأ. فبدلا من تنادى وزراء الصحة العرب ووزراء الشئون الاجتماعية العرب لعقد اجتماع مشترك مع جمعيات الهلال العربية، من أجل وضع خطة مشتركة تعاونية لمد يد العون لشعب سوريا المنكوب المشرد الذى لم يقصر قط فى حق أى شعب عربى آخر واجه شتى صنوف المحن والصراعات، بدلا من ذلك تعامل كل قطر عربى بشكل منفرد، وأحيانا بصور مخجلة باهتة متأخرة، فكانت النتيجة شعور الأشقاء فى سوريا بالمرارة والخذلان وقلة الوفاء والمروأة من قبل هذا القطر أو ذاك.
وبالطبع لم يضع أعداء هوية العروبة الجامعة من الداخل والخارج هذه الفرصة لإظهار الشماتة والاستهزاء بكل صوت آمن بوحدة هذه الأمة، وبقدرها المشترك، وبأخوتها العروبية والإسلامية والمسيحية.
من حق المواطنة والمواطن العربى أن يسألا: هل حقا أن البعض قد أصيب بعمى البصيرة، وبضعف الإرادة، وبموت مشاعر الالتزامات القومية، وبالاستسلام المذل للخارج، بحيث لا تحركهم أهوال مثل تلك الأحداث ليعودوا من جديد إلى طرق التضامن والتعاون والتنسيق فيما بين أقطار الوطن العربى التى يريد الاستعمار وتريد الصهيونية إغلاقها وسد منافذها إلى الأبد من أجل إبقاء هذه الأمة مجزأة وضعيفة ومريضة؟
فى فترة قصيرة جدا تواجه هذه الأمة أحداثا تستدعى المواجهة المشتركة فلا نجد أمامنا إلا عصف الريح وقلة الحيلة. يا شابات وشباب هذه الأمة احتفظوا بهذه الصور البشعة فى وعيكم لتدركوا أن شعار وحدة هذه الأمة سيظل هو الخلاص من هذا البؤس الذى تعيشون من أعاصير المستقبل.
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved