علاج البطالة بالانتحار

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 15 مارس 2009 - 7:29 م بتوقيت القاهرة

 أكثر من 7 آلاف شاب مصرى انتحروا فى عام 2008 وحوالى 12 ألفا انتحروا فى 4 سنوات، ولو استمرت نفس المعدلات فإن الحكومة ستتمكن دون أن تدفع مليما واحدا من حل أزمة البطالة.

الأرقام السابقة ليست من قبيل المبالغات لكنها تستند إلى دراسات وإحصائيات للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وهى موضع بحث ودراسة فى مجلس الشورى بعد أن تقدم أحد أعضائه مستفسرا عن ارتفاع أرقام البطالة وكيفية مواجهتها.


الحكومة تصر على أن نسبة البطالة لا تزيد على 9٪ وأرقام البنك الدولى تشير إلى أن النسبة هى 22٪ ومنظمة العمل الدولية تتحدث عن 23٪، أى باختصار أن ربع المجتمع المصرى يعيش فى بطالة سافرة، ولو تحدثنا عن الإنتاج الفعلى فإن نصف المجتمع تقريبا يعانى البطالة سواء السافرة أو المقننة.


عندما أقدم الشاب عبدالحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية على الانتحار عبر إلقاء نفسه فى النيل قبل نحو عشر سنوات لأن وزارة الخارجية رفضت تعيينه لأنه «غير لائق اجتماعيا»، عندما حدث ذلك هاج المجتمع وماج واعتبر الأمر انقلابا فى سلم القيم الاجتماعية.


اليوم لم يعد الأمر انقلابا وما كان مستترا صار سافرا.


نموذج عبدالحميد شتا صار متكررا فى كل مؤسسة وهيئة ووزارة، أما اليائسون من الحصول على وظيفة بسيطة وليست فى وزارة الخارجية، فحدث ولا حرج عنهم، الإعلام لم يعد يهتم بالآلاف الذين ينتحرون، لكنه فقط يتوقف عند طريقة الانتحار مثل ذلك الرجل الذى احتضن طفلته ثم طار فى الهواء من الدور السادس، وهكذا دواليك.


المجتمع تحجر قلبه، والحكومة صارت أكثر عملية وأحيانا أكثر تبجحا، فلو سألت مسئولا عن تفسيره لهذه الظاهرة، سيتحدث عن الانتحار فى اليابان وأوروبا وأمريكا، وأننا لسنا متفردين فى هذا الأمر.


التقرير المعروض على مجلس الشورى يتحدث عن الاكتئاب والعزلة والإحباط وعدم الانتماء وجميع الأمراض التى تصيب الشباب بسبب مشكلة البطالة.. كل ذلك مع التقدير للتقرير والأرقام والدراسات.


الأمراض الناتجة عن البطالة كما تتحدث الدراسات معروفة ويمكن توقعها مثل الاكتئاب والإحباط والعزلة وعدم الانتماء.. لكن الشباب اليائس يبدو أنه لم يعد يملك حتى ترف أن يكون محبطا أو غير منتمٍ ولذلك يتجه إلى الحل الأسهل والأقسى وهو إنهاء حياته.


كنت أستغرب لماذا لا تتحرك الحكومة لمواجهة هذه الكارثة.. ثم اكتشفت أن الأمر قد يكون أسهل حلا لمساعدة الحكومة فى مواجهة أزمة البطالة إضافة لبعض الأساليب الأخرى مثل حوادث الطرق وانهيار العمارات وكوارث العبّارات وكلها طرق لا يمكن لوم الحكومة عليها بصورة مباشرة ونحن نعيش أزهى عصور الاستقرار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved