بالنسبة للغرب.. الأسوأ لم يأتِ بعد

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الثلاثاء 15 مارس 2022 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

 

نشرت مجلة «ذى أتلانتيك» مقالا بتاريخ 10 مارس 2022 للكاتب توم ماكتيج، يقول فيه إنه إذا كانت أزمة أوكرانيا أنقذت الغرب من انقسامه ووحدته فى مواجهة الدب الروسى، إلا أن قرار بوتين بغزو أوكرانيا له تداعيات طويلة المدى على حتمية النصر النهائى للغرب.. نعرض من المقال ما يلى.
منذ غزو روسيا لأوكرانيا وتهديدها لنظامها الليبرالى، أظهر الغرب للعالم مدى قوته ووحدته عن طريق فرض حزمة عقوبات غير مسبوقة على روسيا. لقد أثبتت فكرة الإيمان بالحرية أنها أقوى مما كان يتخيله فلاديمير بوتين؛ ها قد عادت الروح الجماعية للنظام الليبرالى من جديد.
الفكرة الأساسية للعالم الغربى ــ الحرية الفردية فى ظل القانون الديمقراطى ــ لا تزال أكثر قوة من أى بديل آخر. ومع ذلك، ما زال على الغرب أن يواجه الواقع الأوسع لأزمة أوكرانيا. فمن غير المرجح أن تشير هذه الأزمة إلى نهاية التحدى الذى يواجهه التفوق الغربى. بكلمات أخرى، إذا أنقذت هذه الأزمة الغرب حقا من انقسامه إلا أن الصورة الأكبر أكثر كآبة، سواء على المدى القصير بالنسبة لأوكرانيا أو على المدى الطويل بالنسبة للنظام الغربى نفسه.
العديد من الخبراء أشار إلى أن بوتين قادر على كسب الحرب والسيطرة على أوكرانيا، لكنه لا يستطيع التماسك لفترة طويلة نظرا لحجم المعارضة الشعبية. على أى حال، هذه حرب تسير بشكل سيئ حتى الآن بالنسبة لروسيا، ويمكن أن تزداد سوءا، وربما تعرض نظام بوتين نفسه للخطر. كما أن الاقتصاد الروسى معرض لخطر الانهيار تحت وطأة العقوبات التى فرضها الغرب.
• • •
بعيدا عن هذه التحليلات الرصينة، هناك تحليلات أخرى أكثر شمولا يتم تقديمها فى العواصم الغربية حول التداعيات طويلة المدى لقرار بوتين وحتمية النصر النهائى للغرب.
فى خطاب حالة الاتحاد، اقتبس جو بايدن من خطاب نظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أمام البرلمان الأوروبى، حيث قال زيلينسكى إن «النور سينتصر على الظلام». أولاف شولتس، مستشار ألمانيا، قال كلاما قريبا من ذلك أمام البوندستاغ: «القضية الأساسية فى هذا الأمر هى ما إذا كان يُسمح للقوة أن تسود على القانون، ما إذا كنا نسمح لبوتين بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى القرن التاسع عشر وعصر القوى العظمى». ثم أضاف: «بصفتنا ديمقراطيين وأوروبيين، فإننا نقف إلى جانب أوكرانيا، نقف فى الجانب الصحيح من التاريخ».
لكن هل الضوء دائما ينتصر على الظلام؟ يمكن، وقد حدث ذلك فى العديد من المناسبات خلال القرن العشرين. لكن مجرد انتصار الضوء فى الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة لا يعنى بالضرورة أنه سيتكرر مرة أخرى سواء الآن أو فى المستقبل. وانتصار الحلفاء على ألمانيا واليابان ثم انهيار الاتحاد السوفيتى، لا يعنى أن هناك، كما أعلن شولتس، جانبا صحيحا من التاريخ.
الصين، مثلا، ترتكب إبادة جماعية ضد شعبها وتفرض قيودا على الحريات المدنية، ومع ذلك يواصل الغرب التجارة معها، كما لو أن شيئا لم يحدث. وفى سوريا، بعد فترة طويلة من إعلان باراك أوباما أن بشار الأسد «يجب أن يرحل»، لا يزال الديكتاتور فى السلطة، مدعوما من بوتين. فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحول الربيع العربى إلى مجموعة من الديكتاتوريات، مع بعض الاستثناءات القليلة. فى إفريقيا وآسيا، يتزايد النفوذ الصينى والروسى ويتراجع النفوذ الغربى.
وبخصوص أوكرانيا، ماذا لو كان بوتين قادرا على الاستيلاء على أوكرانيا بالقوة، وإعلانها جزءا من روسيا الكبرى، وهدد بالإبادة النووية لوارسو، أو بودابست، أو برلين، إذا تدخل الغرب بأى شكل من الأشكال فى أرضه الجديدة؟ قد نواجه كوريا شمالية جديدة، لكنها أقوى بآلاف المرات. وربما يكون بوتين على استعداد لدفع ثمن هذه المنطقة. ففى عام 1956، حاولت المجر الانفصال عن الحكم السوفيتى لكنها تعرضت للقمع بطريقة وحشية. ولم تفز بحريتها لمدة ثلاثة عقود أخرى.
• • •
إن الغرب فى عصر المنافسة حيث تسود القوة على القانون. وفى الحقيقة، كان الأمر دائما كذلك، فلم يمنع القانون الاتحاد السوفيتى من غزو أوروبا الغربية. واليوم، تمارس روسيا قوتها ليس فقط فى أوكرانيا ولكن عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا. القوة الصينية أيضا لا تطارد اليوم تايوان فحسب، بل فرضت وجودها فى جميع أنحاء العالم. ثم هناك دول أخرى ــ تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ــ التى تعتقد أن سيادة القوة على القانون وفرت لها فرصة لتأكيد وجودها.
فى خطابه عن حالة الاتحاد، قال بايدن إن العالم الديمقراطى، فى المعركة المحتدمة بين الديمقراطية والاستبداد فى أوكرانيا، كشف عن قوته الخفية وعزيمته. لكن هل هذا صحيح؟
بايدن فرض مع الغرب عقوبات على روسيا، بما فى ذلك عزل بنوكها عن النظام المالى الدولى، وإعاقة وصولها إلى التكنولوجيا، ومصادرة ممتلكات الأوليجاركية. ومع ذلك، لا ينبغى للقادة الغربيين أن يمجدوا أنفسهم، صحيح أن العقوبات التى تم فرضها على روسيا هائلة مقارنة بالعقوبات التى فرضت وقت غزو جورجيا وشبه جزيرة القرم ودونباس، لكن لا تزال هناك ثغرات كبيرة فى الحزمة.
بكلمات أوضح، اليوم الدولة الروسية تدفع ثمن حربها ضد أوكرانيا بالأموال التى تحصل عليها كل يوم من بيع النفط والغاز. روسيا تتلقى كل يوم 1.1 مليار دولار من الاتحاد الأوروبى من النفط وإيصالات الغاز. إجمالا، تشكل عائدات النفط والغاز 36 فى المائة من ميزانية الحكومة الروسية. الروس بدأوا حربا ويقتلون آلاف الأشخاص، وهو ما يقاتل الغرب لإيقافه، لكن الطاقة الروسية تحافظ على دفء المنازل الأوروبية، وبسعر معقول.
وبناء عليه، الصورة الكبيرة تظل دون تغيير بمعنى أن الغرب يواجه تحالفا صينيا روسيا يسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمى. علاوة على ذلك، وعلى عكس ما حدث خلال الحرب الباردة، أصبحت الولايات المتحدة الآن غير قادرة على تحمل عبء المواجهة العالمية مع كل من الصين وروسيا بمفردها؛ فهى بحاجة إلى مساعدة الشركاء فى آسيا لكبح بكين، وإلى إرادة أكبر من أوروبا لصد موسكو.
لكن هل واجه الغرب هذا التحدى؟ على الرغم من حدوث تغيير جذرى فى التفكير الأوروبى تجاه روسيا، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان هناك اتفاق عبر الغرب على أن المعركة حضارية من الأساس تدور رحاها بين الشرق والغرب، بين الديمقراطية والاستبداد، كما أعلن بايدن. لقد توحدت أوروبا فى معارضة الغزو الروسى، ولكن مع مرور الوقت، وتغير ديناميكيات أوروبا الخاصة، قد تختلف مصالح أوروبا عن مصالح الولايات المتحدة كما فعلوا بشأن مواقفهم تجاه الصين.
بنيان العالم ما بعد الحرب لا يزال يعتمد على القوة الأمريكية فى الدفاع عنه. وإذا كانت أوروبا ترغب حقا فى تقاسم عبء القيادة الأمريكية العالمية، فلا يزال أمامها الكثير لتقطعه. وحتى لو فعلت المزيد لتقاسم هذا العبء، فهل ستخضع حقا مصالحها للغرب الأوسع الذى تقوده أمريكا؟ ولماذا عليها ذلك فى حين أن لديها مصالح اقتصادية مع دول مختلفة لحمايتها وتعزيزها؟.
• • •
باختصار، ومهما حدث فى أوكرانيا، فليس من الواضح ما إذا كان مستوى الوحدة الغربية الذى نراه حاليا سيستمر أم لا. وإذا كان عام 2022 عاما محوريا فى التاريخ الغربى، مثل عام 1945 أو 1989، فمن المنطقى أن نتساءل ما هى التغييرات التى يمكن أن نتوقع رؤيتها فى الطريقة التى يتم بها تنظيم الغرب. فنهاية كل من الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة أنتجت موجة من الإصلاحات المؤسسية. ففى عام 1951، بعد ست سنوات فقط من سقوط ألمانيا النازية، اتخذت ست دول أوروبية، بما فى ذلك فرنسا وألمانيا، الخطوة الأولى فى رحلتهم إلى الاتحاد الأوروبى. وفى أوائل التسعينيات، بعد سقوط جدار برلين، تم توحيد ألمانيا والاتفاق على عملة أوروبية واحدة. فى العقد التالى، انضم أعضاء سابقون فى حلف وارسو إلى الاتحاد الأوروبى.
التحديات اليوم جديدة، ولذلك هناك حاجة لإصلاحات مؤسسية جديدة لإعادة التوازن إلى نصيب العالم الغربى، ولتوحيد العالم الديمقراطى الليبرالى من أجل ضمان أسبقيته على المنافسين المستبدين. لكن بدلا من ذلك، يتحدث القادة الغربيون عن إعادة تنشيط المؤسسات المصممة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية لضمان عدم بدء حرب جديدة.
لقد انتهت تلك الحرب بالفعل. واحدة جديدة يُجرى شنها الآن.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved