تفكيك العنف الإسلامى

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 15 أبريل 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

حين كتبت مقالة الأسبوع الماضى «الإسلام السياسى: مائة عام من الارتباك والعنف» وتساءلت فى نهاية المقال عن إمكانية تخلص تجربة الإسلام السياسى من العنف والارتباك، لم أكن أتوقع أن تتعرض كنائس مصر لتلك الهجمات الإرهابية الدامية فى نفس يوم النشر، وأن يتحول الأسبوع الماضى كله إلى جدل عام حول مدى مسئولية الدين الإسلامى عن الإرهاب والعنف الذى يضرب مصر خصوصا والمنطقة بشكل عام. لذا قررت أن تكون مقالة هذا الأسبوع حول العنف المرتبط بالإسلام ومحاولة تفكيك أبعاده المعقدة.
أولا: قررت اختيار لفظ «تفكيك» بدلا من ألفاظ أخرى أكثر شهرة فى هذا السياق مثل «محاربة» أو «القضاء على» لإيمانى الشخصى أنه من المستحيل إنهاء الإرهاب والعنف بالضربات القاضية، ولكن بمراحل متعددة ومعارك متنوعة منها ما هو فكرى وما هو سياسى وما هو أمنى.. إلخ. وكذلك لفظ «تفكيك» تشير إلى تعدد أسباب العنف وتشابكها، وهو ما يستدعى تفكيك هذه الأسباب وتنويع الحلول لها.
ثانيا: من حق المسلم أن يغضب حينما يجد أن دينه متهم بالإرهاب ومن حقه أيضا أن يدافع عن دينه، فكثير من المسلمين يؤمنون تماما بسلمية الدين الإسلامى وبسماحته ويعرفون عن حق رسالة رسول الإسلام بالتسامح والتعددية، ومن ثم فإن الحملة التى يحاول البعض إثارتها بالتغزل فى محبة المسيحية مقابل عنف الإسلام لن تفيد، بل على العكس ستثير مزيدا من الغضب والفرقة والتشدد وخصوصا أنه من ناحية الممارسة السياسية التاريخية فكما تم استخدام الإسلام لتبرير العنف وإعطائه شرعية فقد تم استخدام المسيحية بالقدر نفسه، وفى النهاية فإن أسلوب المقارنات وإثارة النعرات لا يمكن أبدا أن يكون أسلوبا تنويريا أو أن يكون حلا لمشكلات الإرهاب.
ثالثا: غضب المسلم من اتهام دينه بالإرهاب مفهوم ولكن على المسلمين أيضا أن يعرفوا جيدا أن عبارات مثل «الإسلام برىء من الإرهاب» أو أن «الإرهابيون لا يمثلون الإسلام» تظل صحيحة (على الأقل من وجهة نظرى كمسلم) لكنها لن تحل المشكلة على الإطلاق لسببين: الأول أن الدين فى النهاية ليس مجرد الرسالة النقية التى نزلت على الرسول (أى رسول) ولكنه كائن اجتماعى بمعنى أنه يستمد قوته وقدرته على الاستمرار من تعامل البشر معه (تفسيرا وتحليلا وتطبيقا)، ومن هنا فلابد من الاعتراف أن التفسيرات العنيفة شديدة التطرف هى جزء من الدين بهذا المعنى الأخير، وثانيا لأنه لو تخيلت أن هناك مجموعة من الهندوس مثلا يعتدون على مسجدك ويفجرونه مرة واثنتين وثلاثة ومائة فأنت كمسلم وقتها لا يمكن أن تقبل عبارات مثل «الهندوسية بريئة من تفجير المساجد»، لأنه ليس مطلوبا منك ببساطة أن تعقد دراسات مقارنة للأديان لتعرف إن كانت الهندوسية كدين عنيفة أم لا! لابد أن هناك ارتباطا سيدور فى ذهنك بين الهندوسية والعنف بسبب ممارسات الهندوس ولابد أنك ستكون غاضبا من الهندوسية والهندوس معا! هكذا هو تماما حال أقباط مصر الآن ولا يمكن توجيه اللوم لهم فى هذا السياق، هناك غضب وهو غضب مستحق ومقدر.
رابعا: وارتباطا بالنقطة السابقة فإن تصريح مثل «مفجرو الكنائس من أتباع فرعون لا دين لهم ولا ملة» ــ وهو التصريح الذى نسبته «الشروق» لوزير الأوقاف فى نفس يوم التفجيرات ــ هو تصريح فى غير محله وهو بالضبط كمن يدفن رأسه فى الرمال لتجنب مواجهة المشكلة الحقيقية! عفوا فضيلة الشيخ، مفجرو الكنائس من أتباع الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) ودينهم الإسلام، محاولة تكفيرهم محاولة واهية للتهرب من الحقيقة المرة، وهى أن هناك تفسيرات كثيرة لعلماء الإسلام على مر العصور وحتى اللحظة تبيح القتل لغير المسلم عن طريق الإشارات الصريحة لآيات من القرآن الكريم. بالتالى فعليك إما أن تقوم بدورك فى المساهمة بمشروع فكرى حقيقى يرتقى لإعادة ضبط تفسيرات آيات القرآن الكريم فى ضوء العصر الحالى تطبيقا لما هو متفق عليه من أن «الإسلام صالح لكل زمان ومكان» وإما أن تسكت وتكتفى بعبارات التعزية والرثاء!
خامسا: حصول المسيحيين أو غير المسلمين بشكل عام على حقوقهم كاملة غير منقوصة هو حق أصيل تفرضه المواطنة ويحميه الدستور، ومن ثم فإن العبارات المتكررة بين المواطنين على شاكلة «لم يستوصوا بنا خيرا يا رسول الله» أو أن «الشريعة تأمرنا بحسن معاملة أصحاب الكتاب» أو أن «الأقباط لم يعيشوا بأمان كما عاشوا فى كنف الإسلام»، هى عبارات تصلح فى أحسن الأحوال كحكم ومواعظ فى دور العبادة لكن لا معنى لها فى الشأن العام. أى مواطن مصرى له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، وأى محاولة للالتفاف على هذا المبدأ واستبداله بمرجعيات دينية لتشكل أساسا لإعطاء الحقوق أو منعها مرفوضة تماما وتدخل فى إطار الممارسات الذمية لا المدنية!
سادسا: صحيح أن تفكيك العنف المرتبط بالجماعات الإسلامية يلزم له عملية إصلاح دينى تبدأ بتغير الخطاب الدينى ولكن هذه العملية لن تنجح إذا قامت بها السلطة، الأخيرة مطلوب منها توفير المناخ الملائم لعملية تغيير الخطاب أو إصلاحه وإذا قررت القيام بهذا الإصلاح بنفسها فسيتم تأميمه ووقتها سيزداد العنف والإرهاب لا العكس.
سابعا: إذا قررنا تحميل المؤسسات الدينية المسئولية عن مواجهة العنف أو حتى التسبب فيه، فإن الحديث يجب أن يكون شاملا لا انتقائيا، وبالتالى الأزهر كمؤسسة دينية مسئول عما يحدث بنسب قد تتفاوت تقديراتنا لها، لكن الحديث يجب ألا يقتصر على مؤسسة واحدة، فالعلاقة بين السلطة وكل المؤسسات الدينية بما فيها الأزهر ودار الافتاء والكنيسة هى أحد أسباب الأزمة الحالية. فإما أن يكون هناك حديث جاد يبعد عن أسلوب المكايدات الدينية ليناقش إعادة هيكلة علاقة الدولة بكل هذه المؤسسات وخطبها ومواقف رجالها أو السكوت إلى حين، وغير ذلك هى أساليب رخيصة لإذكاء التنازعات الأهلية.
ثامنا: هناك أكثر من نقطة انطلاق لإصلاح الخطاب الدينى وتفكيك العنف المرتبط بتيارات الإسلام السياسى، وتقديرى أنها عملية معقدة وطويلة ولكن للتبسيط فهى مكونة من أربعة أضلاع، الضلع الأول هو الضلع السياسى والذى يجب أن يعيد صياغة معادلة السلطة/المجتمع فتصبح أكثر تعددية وأكثر انفتاحا تسعى لدمج (لا مصالحة) كل من يقبل بالترتيبات السياسية والقانونية للدولة القومية وتتيح للجميع فرصة التعبير السياسى وصولا إلى مرحلة التمثيل السياسى، وتتوقف عن محاسبة الناس بسبب أفكارهم السياسية ماداموا لا يتورطون بأى شكل من الأشكال فى تأييد العنف والإرهاب ومخالفة القانون بشكل عام. ثم يأتى الضلع الثانى وهو ضلع قانونى ويتمثل فى عدم خلط السياسى بالقانونى ومحاسبة أى متورط فى أعمال العنف والإرهاب بالقانون والدستور بعيدا عن أى تنكيلات أو تصفيات جسدية خارج إطار القانون لأن هذه الأعمال من شأنها زيادة العنف والإرهاب ولا أعتقد أننى فى حاجة للتأكيد على أن هذه النقطة تحديدا ليست كلاما نظريا ومن لا يرى نتيجة أعمال القتل والتصفية خارج إطار القانون فلديه مشكلة عميقة أتمنى أن يدركها قبل فوات الأوان إن لم يكن الأوان قد فات بالفعل!
ثم يأتى الضلع الثالث وهو ضلع دستور/مجتمعى مشترك ويتمثل فى ضرورة رفع أى وصاية إسلامية على المواطنين غير المسلمين. غير المسلم يتمتع بكل حقوقه كاملة غير منقوصة ليس لأن الشريعة الإسلامية منحته ذلك الحق (فمن يملك الحق يملك المنع)، ولكن لأنه مواطن مصرى يحمى الدستور حقوقه وحرياته، وعلى المؤسسات الإسلامية المهتمة بتفكيك الإرهاب المرتبط بجماعات الإسلام السياسى أن تتوقف عن الأساليب المائعة فى التسليم بهذه الحقوق الدستورية لا الدينية. «دينى الإسلامى يأمرنى بحسن معاملة غير المسلم» هذا منطلق شخصى أطبقه مع أصدقائى غير المسلمين، أما المنطلق العام فهو منطلق دستورى قانونى لا وصاية فيه للشريعة الإسلامية أو للرسول على أى مسيحى أو غير مسلم.
وفى النهاية يأتى الضلع الرابع وهو ضلع تيارات الإسلام السياسى نفسها أو كل من يجد نفسه ملهما بالقيم الإسلامية لتطبيقها سياسيا وهذا الضلع محورى لأنه يرتبط بضرورة إعادة قراءة النصوص المقدسة فى سياقها التاريخى أولا، ويرتبط ثانيا بإعادة مراجعة تاريخ تطور الحضارة البشرية بمناهج التاريخ والسياسة لا بمناهج العلم الشرعى القاصر للغاية عن إدراك الحد الأدنى من القراءة الصحيحة لرواية التاريخ البشرى والتفاعلات السياسية فما بالك بالتحليل والتفسير ومن ثم اتخاذ المواقف؟! ثم يرتبط ثالثا بإعادة الانطلاق (سياسيا) من القيم العظمى للإسلام لا من كلام هذا الفقيه أو ذاك الخليفة وهو محور حديثنا الأسبوع القادم إذا شاءت الظروف ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved