لعبة كبرى جديدة

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 15 أبريل 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع كارنيجى مقالا للباحثين «جوزيف باحوط» و«بيرى كاماك» عن مدى إمكانية وجود تسوية أمريكية ــ روسية بشأن الوضع فى سوريا، وبدأ المقال برد فعل الرئيس الأمريكى على هجوم بلدة خان شيخون، حيث أصدر الرئيس دونالد ترامب أوامره للجيش الأمريكى بقصف قاعدة الشعيرات الجوية بنحو 600 صاروخ كروز بعد 72 ساعة من الهجوم المدمّر بالأسلحة الكيميائية على البلدة.
يقول الباحثان إنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الهجوم ــ أول عمل عسكرى تشنّه الولايات المتحدة ضد نظام الأسد عن سابق تصور وتصميم ــ يقتصر على ضربة لمرة واحدة ومعزولة، أم أنه بداية حملة جوية أطول. وفى حين أن الأثر العسكرى ضئيل ومحدود، يمكن أن يكون الأثر النفسى على نظام الأسد الذى يعانى من البارانويا والعزلة أكثر أهمية، فيما يتوقّف أرباب النظام مليا عند حسابات الأسد المُخطئة، واحتمال ظهور تفاهمات جديدة بين واشنطن وموسكو، وإمكانية وقوع مزيد من الهجمات.
الواضح هو أن ثمة ورقة دراماتيكية غير متوقّعة أُقحِمت فى لجّة النزاع السورى. وهنا يضيف الباحثان أنه فى ضوء محاولتهم لسبر غور الأثر الذى ستتركه الهجمات الأمريكية، لابد من التوقّف عند نقطتَى تحوّل مهمتَين ربما تؤشران إلى «لعبة كبرى» روسية ــ أمريكية جديدة فى سوريا. النقطة الأولى مرتبطة بالطبيعة الحالية للتدخل العسكرى الروسى؛ أما الثانية فتتعلق بتبعات الحملة العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية. فلهذه التطورات، وتفاعلاتها ــ كما يرى الباحثان ــ القدرة على إحداث تحوّل فى النزاع السورى. فهى تزيد من مخاطر النزاع، ليس بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحسب، إنما أيضا روسيا وإسرائيل وتركيا وإيران. لكن يمكنها أن تولّد، فى الوقت نفسه، الظروف التى قد تنبثق منها تسوية روسية ــ أمريكية.
فيما يتعلق بالتدخل الروسى، حققت موسكو هدفها الأساسى المتمثل فى إبقاء الأسد فى السلطة فى مستقبل منظور، ولو كان قد أصبح فى وضع مضعضع. بيد أن هجوم خان شيخون سلّط الضوء ربما على فعل التوازن الدقيق فى الجهود الروسية الآيلة إلى ترجمة التفوّق العسكرى إلى مكاسب سياسية دائمة. فكلما أصبح الأسد أقوى، تراجع اعتماده على الدعم الروسى.
فى حين أظهرت موسكو لامبالاة سافرة بالتداعيات الإنسانية لتدخلها العسكرى فى سورية، قد تتسبّب الهجمات الجوية الأمريكية بزيادة التأثير الروسى على نظامٍ يجد نفسه فى موقف دفاعى، أقلّه فى الوقت الراهن. بعد الهجوم الكيميائى فى العام 2013، ساهمت موسكو فى التوصل إلى اتفاق لشحن الأسلحة الكيميائية فى سورية إلى خارج البلاد، ولو أنه لم يُنفَّذ بالكامل. فكيف ستتعامل روسيا هذه المرة مع الرد الأمريكى الأشد هجومية؟
فى غضون ذلك، وفى حين أنه لا إسرائيل ولا حزب الله يرغبان فى خوض معركة، تزداد احتمالات اندلاع نزاع مع اقتراب الجبهة الأمامية من مرتفعات الجولان. فى ليل 16 مارس الماضى، أطلقت الدفاعات الجوية السورية صواريخ أرض ــ جو على طائرات إسرائيلية، فى رد غير معهود إلى حد كبير على العمليات الإسرائيلية داخل المجال الجوى السورى. قد تؤدّى تحركات النظام ضد درعا، المحاذية للأردن والتى تقع على مسافة نحو 30 كيلومترا فقط من الجولان، إلى إحداث خلل فى التوازن الدقيق فى الجنوب السورى، حيث قبلت موسكو حتى الآن بمنطقة عازلة مفروضة بحكم الأمر الواقع مع الأردن.
يشير الباحثان إلى أن الهجوم الكيميائى تسبّب فى تعاظم المخاوف الإسرائيلية هذا الأسبوع. صحيح أن المسئولين الإسرائيليين يلزمون الصمت فى شكل عام فى موضوع النزاع السورى، إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ردّ على هجوم خان شيخون بالدعوة إلى تحرّك دولى طارئ لاستكمال نزع الأسلحة الكيميائية السورية.
وفيما أشارت إدارة ترامب إلى أن المسألة اليمنية قد تكون محورية فى الجهود الآيلة إلى درء التدخل الإيرانى فى المنطقة، من شأن قيام الولايات المتحدة بتعزيز دورها العسكرى فى سوريا أن يترافق مع مجهود أكثر طموحا لمحاولة قطع خطوط الإمدادات الإيرانية باتجاه دمشق. سوف يلقى مثل هذا المجهود ترحيبا شديدا فى إسرائيل وعواصم الخليج، لكن قد يزيد من احتمالات اندلاع نزاع بين حزب الله وإسرائيل، مع ما تترتب عنه من تداعيات هائلة على لبنان أيضا. فهل يمكن أن تدفع التشنجات المتعاظمة بين إسرائيل وحزب الله روسيا إلى وقف «التحرير» الكامل لجنوب سورية، من خلال نزع فتيل القتال بما يؤدّى إلى تجميد النزاع تقريبا عند خطوط المعارك الراهنة؟
***
تتمحور نقطة التحول الجيوسياسية الثانية حول التداعى الوشيك لدولة لخلافة فى الرقة. ففى حين أن انحسار سيطرة الدولة الإسلامية على الأراضى أمرٌ مستحَب إلى حد كبير، من المؤكّد أنه سيولّد تعقيدات جديدة مقلقة، مع ظهور تحدّيات على صعيدَى الحكم والأوضاع الإنسانية، فضلا عن أشكال جديدة من التشدّد ــ موزّعة جغرافيا على الأرجح.
هنا يؤكد الباحثان أن ما يثير القلق بالدرجة نفسها هو احتمال حدوث تصفية حسابات بين تركيا والأكراد السوريين. فقد يتّضح بصورة مطردة أن الجهود الأمريكية الهادفة إلى تفادى هذه المواجهة أمرٌ لا بد منه، مع اقتراب موعد الحملة البرية ضد الرقة. وهذا يساعد على فهم الأسباب التى دفعت بالقوات العسكرية الأميركية إلى التدخل فى منبج فى وقت سابق خلال العام الحالى، من أجل الحد من احتمالات اندلاع صدام مباشر بين القوات الكردية والتركية.
وبالتالى يتساءلان عمَن سيتولى زمام السيطرة فى الرقة؟ فقد اقترحت أنقرة تعبئة خمسين قبيلة عربية سورية بقيادة تركية، فيما أكّدت السعودية من جديد استعدادها لإرسال قوات برية إلى سورية. بيد أن هدف أنقرة الأساسى هو إحداث خرق فى تَجاوُر الأراضى فى الجيب الكردى السورى فى شمال سورية. أما السعودية فينصب اهتمامها فى شكل خاص على شبه الجزيرة العربية، واليمن على وجه التحديد، مع قيام المملكة على ما يبدو بإسقاط سورية من حساباتها.
يبدو أن إدارة ترامب، شأنها فى ذلك شأن إدارة أوباما قبلها، استنتجت أن قوات سورية الديمقراطية التى يسيطر عليها الأكراد هى القوة البرية الوحيدة القادرة على تحرير الرقة فى المستقبل المنظور.
هذا الأمر غير مقبول فى نظر تركيا التى تعتبر أنه لا فرق بين حزب الاتحاد الديمقراطى السورى وبين حزب العمال الكردستانى الذى تحمّله تركيا مسئولية مقتل عشرات الآلاف منذ سبعينيات القرن العشرين، والذى صنّفه حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى خانة التنظيمات الإرهابية. من غير المرجّح أن يعمد الأكراد لاحقا إلى تسليم السيطرة طوعا على الأراضى التى استولوا عليها فى شمال سورية، ولذلك من شأن تحرير الرقة على أيدى الأكراد أن تكون له تداعيات كبيرة ليس فقط بالنسبة إلى مستقبل التركيبة السياسية فى سورية، إنما أيضا فى ما يختص بالديناميكيات الإثنية فى الشرق الأوسط فى شكل عام فى العقود المقبلة.

***

لقد أخفقت المفاوضات الدولية على امتداد نحو ستة أعوام، فى دفع النزاع السورى قدما نحو التسوية. لكن على الرغم من عدم وضع خريطة طريق واضحة حتى الآن، عبّر دونالد ترامب مرارا وتكرارا عن رغبته فى التباحث مع روسيا فى تسوية سياسية طوية الأمد.
مع ذلك فالسؤال هل التوقيت مواتٍ لنكون أمام لحظة «قوة عظمى» روسية ــ أمريكية فى سوريا؟ يبدو أن هناك أوجه تشابه محتملة بين مصلحة موسكو المفترضة فى تجنّب تفجّر الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله من جهة وبين الجهود الأمريكية لتفادى اندلاع نزاع بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطى وذراعه العسكرى، وحدات حماية الشعب الكردية، من جهة ثانية. قد يشتمل ترتيب روسى ــ أمريكى مؤقت، فى حال حدوثه، على إنشاء مناطق نفوذ غير رسمية تساهم فى إرساء توازن بين المصالح الأساسية المتنافسة لأصحاب الشأن المتعددين فى المعمعة الجيوسياسية شديدة التعقيد فى سورية ــ وهؤلاء الأفرقاء هم إسرائيل وتركيا وإيران، فضلا عن النظام السورى والأكراد والعرب السنّة.
يختتم الكاتبان المقال بأنه لا يمكن أن تكون موسكو قد فرحت برؤية مشاهد الأطفال الذين استنشقوا الغاز السام، لكن لطالما أبدى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين احتراما أكبر للدبلوماسية المدعومة بالقوة الصلبة. فهل يولّد لجوء الولايات المتحدة إلى رد انتقامى ضد نظام الأسد فرصة للتوصل إلى تسوية مع روسيا ــ أم أنه يحمل فى طياته بذور تصعيد خطير؟ هل يمكن شراء الموافقة التركية على شنّ هجوم كردى على الرقة من خلال إنشاء منطقة عازلة بدعم من الولايات المتحدة بما يؤدّى إلى الحد من تدفق اللاجئين شمالا، ويهدّئ المخاوف التركية من قيام منطقة كردية موحّدة عند الحدود الجنوبية؟ هل ستُظهر روسيا استعدادا ــ وقدرة ــ للجم دور إيران وحزب الله فى سورية إلى درجة معينة، بما يقلل من خطر التدخل الإسرائيلى؟ هل هناك أسسٌ كافية للتوصل إلى اتفاق بين واشنطن وموسكو من أجل فرض ترتيب جيوسياسى جديد لا يُعطى أيا من الجانبَين كل ما يريده، إنما قد يساعد على احتواء القتال؟ وهل بالمستطاع فرض مثل هذا التفاهم على الأفرقاء المحليين؟ فبالنسبة لهما يمكن أن تقطع الإجابة عن هذه الأسئلة شوطا طويلا نحو تحديد ما إذا كانت الحرب الأهلية الكارثية فى سورية تتّجه نحو الانحسار، أو ما إذا كان سقوط حلب والرقة مجرد محطتَين على الطريق نحو مزيد من الموت والدمار.

النص الأصلى http://ceip.org/2nwQwB8

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved