لماذا تصبح الأزمة الليبية أو السورية أو المصرية شأنا خليجيا بامتياز؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 15 أبريل 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة «البيت الخليجى» مقالا للكاتبة «شيخة الجاسم» تناولت فيه أسباب بدء دول الخليج فى التدخل فى الشئون الداخلية لدول أخرى.

فى مشهد الخليج والإقليم وتقلباته ما يدعو إلى الذهول. كيف أصبح الصراع الداخلى والنقاش فى الداخل الليبى أمرًا خليجيًا بالدرجة الأولى؟ كيف أصبح استقرار اليمن وسوريا، بل حتى الانتخابات البلدية التركية مرتبطة بصراعات البيت الخليجى؟

يعزو البعض ذلك إلى ثروات مادية تتمتع بها دول الخليج سهلت لبعضها التدخل فى الشئون الداخلية لدول أخرى ذات سيادة. فرضية يمكن الرد عليها بأن الوفرة المادية/المالية فى دول الخليج ليست أمرًا طارئًا فقد مر أكثر من نصف قرن على هذه الثورة ولم تكن بعض دول الخليج تتدخل بهذه الطريقة الواضحة كما يحدث الآن. كما أن دولًا مثل عمان والكويت تقوم باستغلال ثرواتها بمنح قروض تنموية وإعمارية بدلًا من الضغط سياسيًا فى اتجاه أو آخر. فما الذى طرأ وجعل بعض دول الخليج تتدخل فى الشئون السياسية لدول أخرى؟ وكيف أثر ذلك على وحدة الشعب الخليجى؟

نهوض الخليج وسقوط الأنظمة الهَرِمَةُ
لا شك أن اهتزاز عروش بعض الأنظمة الهرّمة فى العالم العربى ــ مع بدايات موسم الثورات فى 2010 وحتى الآن ــ ما بين من سقط، أو أعيدت صياغته وتشكيله، أو استقر، أو لا يزال فى قمة الصراع، لا شك أن كل ذلك فتح شهية القوى الخارجية لتساهم فى إعادة تشكيل الواقع الجديد بما يتناسب ومصالح تلك الدول التى هى أيضًا تبدو معرضة لهزات سياسية واجتماعية.

لقرون مضت كانت هذه القوى اللاعبة اقليميًا على وتر الصراعات غير خليجية، أما اليوم، فتتدخل دول الخليج كداعمٍ صريحٍ ومباشرٍ مع القوى المُتصارعة فى الأزمات السياسية وبما يشمل مناطق الصراعات المسلحة فى «تموضع» جديد لدول الخليج لم تألفه أو تقم به بهذا الوضوح فى العقود الماضية.

لم يكن اهتزاز الأنظمة العربية الهَرِمة السبب الوحيد والكافى فى تدخل دول الخليج فى الربيع العربى، كان صعود بعض الوجوه الشابة من الأسر الحاكمة الخليجية إلى الصف الأول أو الثانى من الحكم سببًا مباشرًا فى المواجهة الصريحة والرغبة المعلنة فى التغيير، وهو ما لا تتحرج هذه القيادات الشابة فى اعلانه بوضوح فى تصريحاتها ومقابلاتها التى تنتشر فى وسائل الإعلام. رغم ذلك، لم تتخذ الدول الست الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى الموقف ذاته تجاه الربيع العربى، إذ تبين بأن طموح التدخل له أهداف داخلية وخارجية على حد سواء.

حسابات الداخل والخارج
أدركت حكومات الخليج مبكرا أن دولها ليست فى معزل عما يحدث فى العالم العربى، وأن شهية المواطن باتت مفتوحة للتغيير بعد النتائج المذهلة لرحيل الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على عن تونس وآخرين. وارتأت دول الخليج أن سياسات التضييق الداخلى على الحريات لن تأتى بثمارها دون التحكم فى الصنبور/المؤثر الخارجى، وهو أحد أهم أسباب التدخل الخليجى أيضًا.

ولتدارك الأخطار، احتضنت قطر الإسلام السياسى وفى مقدمته فريق الإخوان المسلمين ودعمته. قبالة ذلك، اختارت كل من السعودية والإمارات محاربة هذا التنظيم داخليًا وخارجيًا. لم تكن خيارات الاحتضان والمحاربة ــ على حد سواء ــ لأسباب عقائدية بل كانت جزءا من رهانات السيطرة الإقليمية، رأت قطر أن احتضانها للإخوان المسلمين سيحقق مكاسب سياسية إقليمية وتبنى الفريق الآخر مسارا يرى أن الإخوان يشكلون خطرًا حقيقيًا على الأنظمة الحاكمة فى الخليج.

بات واجبا يوميا ومحزنا لنا نحن أبناء دول مجلس «التعاون» الخليجى أن نقرأ التراشق والحرب الكلامية فى وسائل التواصل بين مواطنى دول الخليج لا على مواضيع أو صراعات داخلية بين دول الخليج ذاتها بل خارجية تماما؛ (حفتر فى ليبيا) (الحوثى فى اليمن)!

أدت أزمة الخليج وحصار قطر إلى تسييس المواطن الخليجى البسيط، وتلزم سياسات بعض دول الخليج مواطنيها على تأييد مواقف وانحيازات وطنه وإلا تعرض للرفض الاجتماعى وصولا لعقوبات قانونية.

باتت مواقف حكومات دول الخليج واصطفافاتها فى الأزمة السورية أو الليبية أو اليمنية أو المصرية وغيرها ليست متاحة للتداول والاختلاف بين آراء النخب والمواطنين. بات على الجميع الانصياع أو كما يقال «التطبيل» لحكومته ومواقفها. خلق الربيع العربى فى مصر على سبيل المثال خريفًا لحرية التعبير فى دول الخليج بسبب مواقف حكوماتها دعمًا أو مواجهة للإخوان والمتطلعين للتغيير.

ثم ماذا؟
من وجهة نظر ليبرالية؛ لا يبدو أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة فى الدول العربية سيشكل خطرًا ــ على الأقل نظريًا ــ طالما كانت العملية السياسية ديمقراطية، وما لم يمس حكم الإخوان حريات الشرائح المجتمعية المناهضة لهم فكريا. فى المحصلة؛ هذا حكم الصندوق ومسار الديمقراطية (يوم لك ويوم عليك).

الفارق فعلا والذى ينبغى الحذر منه هى وجهة نظر الجماعة السلفية التى تختلف مع الإخوان فى فصل أمور الدعوة عن السياسة، ومخالفة الحاكم والخروج عليه ومفاهيم الثورة، وصول الإخوان للحكم يسبب لهؤلاء قلقًا لا يقل عن قلق الحُكام أنفسهم. ولذلك، تجد شيوخ السلفية يتخذون مواقف حادة تجاه الإخوان، ويقفون مع السلطة فى تضييقها على حريات الإخوان وجميع المكونات والشرائح الاجتماعية على حد سواء.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved