فى الحاجة لاستراتيجيات ومنهجيات وقوى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 15 أبريل 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

إبّان الشهرين الماضيين دُبّجت ألوف المقالات ونشرت ألوف المقابلات بشأن ما يمكن أن تأتى به فترة ما بعد وباء الكورونا من تغييرات كبرى فى حقول الاقتصاد والسياسة والتوازنات الدولية وصعود هذه الدول وتراجع تلك... إلخ من تنّبؤات، بعضها متفائل وبعضها الآخر متشائم. بعضها جاء على لسان مفكّرين ومحلّلين جادّين، والبعض الآخر جاء على لسان مهرّجين من السّاسة ومدّعين من رجالات الدّين الشعبويين.
وقد لفتت انتباهى ظاهرة تستدعى إبرازها لأنها مرتبطة أشدّ الارتباط بمدى ونوع وعمق تلك التنبّؤات المنتظر حدوثها كنتيجة أو كرّد فعل لما جاءت به موجة وباء الكورونا من كوارث ولما آلت إليه من وعى جديد.
فأولا، ستحتاج تلك التغيرات لتصبح جزءا من الواقع المستقبلى، على المستويات الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، لقيادات تحدّد الأهداف وتضع الاستراتيجيات وتجيّش الناس وتنظّم صفوفهم. فما ستكون عليه تلك القيادات من تكوين عقائدى أو إيديولوجى، ومن أى طبقة أو جماعة مجتمعية ستنبثق، وإلى أى مدى سينصهر فيها ويكوّن لحمتها النضالية ضحايا وباء الكورونا من الملايين العاطلين الجدد منهم والقدامى والفقراء المهمّشين؟
وثانيا، هل ستنبثق تلك القيادات ومناصروها من الأحزاب والمؤسسات المدنية القديمة، وهى المثقلة بمثالب وعجوزات تاريخية، أم ستولد من رحم الكارثة التى نعيشها أحزاب ومؤسسات مدنية جديدة، بفكر جديد وشعارات أيديولوجية شمولية ملائمة للحالة النفسية الشعبية الغاضبة والمصّرة على تغيير وجهة سيرورة التاريخ، حاضره ومستقبله؟
وثالثا، من هى القوى التى ستعارض تلك التغيرات، فكرا وممارسة ووجوها جديدة، وبأى وسائل ستتصّدى لقادتها وجماهيرها وشعاراتها؟ وما مقدار نسبة إمكانية نجاحها فى إزاحة الجديد ليعود ويحلّ محلّه القديم بوعوده الكاذبة المعروفة وبما يتبقّى لدى الحرس القديم من إمكانيات مالية وسياسية وأمنية استخباراتية وإعلامية هائلة؟ ثم، ماذا عن الامبراطوريات الرأسمالية العولمية الصاعدة، والتى ستسّمنها فيروسة الكورونا، امبراطوريات شبكات التواصل الاجتماعى والتجارى الالكترونى والفتوحات الروبوتية الواعدة وفضاءات الذكاء الاصطناعى المرعبة؟ مع من ستقف تلك الإمبراطوريات التى ستخرج وهى أقوى وأغنى عما كانت عليه من قبل، والتى رضعت من ثدى الرأسمالية النيوليبرالية العولمية وتربّت فى أحضانها؟
ورابعا، ما هى الشعارات والعناوين الكبرى لتلك الحركة المستقبلية المنشودة التى يجب أن تكون فى قلب وروح تلك الحركة، ولا يجب أن يتخلّى عنها أحد قط؟ ماذا، مثلا، عن تبنّى عنوان الديمقراطية السياسية والاقتصادية العادلة من أجل أنسنة الجانب الرأسمالى إن وجد وترسيخ وتعميق الجانب الاشتراكى الذى يجب أن يوجد؟ هل هذا خروج على بلادة الإصرار على اختيار البشرية لونا إيديولوجيا واحدا تلبسه؟
أليس الأهم هو التركيز على المحتوى وليس الشكل والاسم؟ وأخيرا، ستبقى نقطة هى بالطبع ستكون فى عالم الغيب، ولكن تحتاج إلى أن تطرح للتساؤل والمعالجة، وهى المتعلقة بدروس التاريخ بشأن ميل البشر إلى النّسيان السريع لما تصيبهم من الكوارث، وميلهم إلى تفضيلهم لحياة اللامبالاة والانكفاء على عالم الذّات الأنانية. وبمعنى آخر: هل ستتعلّم هذه المرة جموع الملايين التى عانت البطالة والجوع وفراق الأحباب بسبب وباء الكورونا هل ستتعلّم الدرس وتحمل على أكتافها قدرها وتقبض على مصير حياتها بيدها، وذلك بدلا من تركه بيد هذه الجماعة أو تلك، أو هذا القائد أو ذاك؟
فى أغلب قراءاتى واستماعى للذين نادوا أو حلموا بعالم أفضل، بعد انقشاع غيوم الوباء وعواصفه، وخصوصا ويلاته الاقتصادية والمعيشية، لم أجد معالجة واضحة عميقة وشاملة لتلك الجوانب والتساؤلات التى ذكرتها. وهكذا خالجنى شعور بأنهم تعاملوا مع التغيرات الكبرى المطلوبة وكأنها هدية بابا نويل للأطفال أثناء أعياد الميلاد.
الآية القرآنية الكريمة المعبّرة عن أن اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم تعبّر أفضل تعبير عما ذكرناه.
بدون استراتيجيات ومنهجيات وقوى واضحة ومنتقاة بعناية، ستبقى التغييرات الكبرى فى خانة أحلام اليقظة، لا أكثر ولا أقل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved