دفاعًا عن العلم

سامح مرقص
سامح مرقص

آخر تحديث: الخميس 15 أبريل 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

الثقافة العلمية هامة لمواجهة الجهل العلمى المنتشر حاليا كوباء فيروسى شرس مدمر للعقول.
الإغريق ومن قبلهم قدماء المصريين استخدموا العلم لبناء حضارتهم وقد عبر عن ذلك الفيلسوف العظيم أفلاطون بقوله إن «الدولة المثالية تحمى وترعى قوى العلم والمعرفة»، ومن أقوال مارى كورى، عالمة الفيزياء وأول امرأة تحصل على جائزة نوبل «لقد حان وقت التغلب على الخوف بالعلم والمعرفة»، وحديثا طرح عالم الفيزياء البريطانى جيم الخليلى فى مقالة بجريدة الجارديان البريطانية أهمية العمل لبناء مجتمع مثقف علميا، موضحا أن هذا لا يعنى أن يكون الجميع على دراية جيدة بعلم الكون أو فيزياء الكم، ولكن الهدف الأهم هو نشر معرفة المنهج العلمى، كذلك يوفال هرارى فى كتابه المهم «21 درسا للقرن الحادى والعشرين» أوضح أن أغلب الناس لا يدركون جهلهم بالمعرفة العلمية ولذلك على العلماء أن يجعلوا صوتهم مسموعا وأن يهتموا بنشر المعلومات العلمية الحديثة من خلال كتب ومقالات تناسب الجميع.
بدون شك أثبت العلم أنه من أهم المقومات الحضارية والمجتمع الذى لا يأخذ بالرؤية العلمية السائدة فى عصره يصير محسوبا على عصر سابق ويعيش منغلقا فى كهف الجهل والتخلف فالعالم المتحضر تطور عندما رحب بكل فكر جديد بانفتاح واستطاعوا أن يجلسوا على قمة العالم التكنولوجية وقمة الحرية والإنسانية باستخدامهم المنهج العلمى.
من عوامل نجاح المنهج العلمى هو الاعتراف بالخطأ وهذا يسمح بترك النظريات والفرضيات القديمة وتبنى نظريات أحدث وأكثر دقة مع اكتساب فهم أعمق جديد. عامل آخر مهم هو ممارسة الشك وتجنب اليقين، وهنا يجب الإشارة إلى وجود اختلاف أساسى بين الشك المتبع فى منهج العلم ونظرية المؤامرة التى تفسر الأدلة بطريقة ملتوية لتؤكد معتقدات مسبقة، بدلا من محاولة البحث الموضوعى عن الحقيقة.
مناقشة أهمية العلم لا تكتمل بدون طرح أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة التى تشكك فى موضوعية المنهج العلمى وتشير بوجود تحيزات شخصية وجماعية فى مجال البحث العلمى وتقدم رفضا صريحا للتقليد العقلانى دون تقديم أفكار جديدة لإعادة البناء الثقافى والمعرفى بل تحاول إنعاش الثقة بأنماط قديمة للمعرفة صارت مهمشة مع التقدم العلمى.
توماس كون من رواد التشكيك فى المنهج العلمى فى كتابه المشهور «هيكل الثورات العلمية» الذى أصدره عام 1962 طرح أن خيارات المنهج العلمى لا تتم حسب أدلة موضوعية، بل تخضع لقيم اجتماعية مسبقة، وأن النموذج السائد هو الذى يحدد أنواع التجارب التى يجريها العلماء، وأنواع الأسئلة التى يطرحونها والمشكلات التى يعتبرونها مهمة وأن العلم لا يتقدم من خلال التراكم الخطى للمعرفة، بل يتبع ثورات دورية أطلق عليها مصطلح «تحول النموذج paradigm shift».
هذه الأفكار من الصعب تقبلها من العلماء الذين يقضون وقتهم فى استكشاف عالم خارجى مستقل عن وعيهم وملتزمين بقواعد المنهج العلمى الصارمة التى تمنع التحيز فى تحليل نتائج البحوث العلمية.
بالنسبة لعدم وجود تراكم خطى للمعرفة، فالتقدم العلمى فى الواقع متعدد الأشكال وليس بالضرورة تحولات فى النموذج كما اقترح توماس كون، فعلى سبيل المثال تفاصيل تطور فهم طبيعة الكون هى نتيجة تراكم المعرفة العلمية، والتحول فى النموذج لا يعيب المنهج العلمى، بل يعبر عن نقلات كبيرة فى التطور العلمى بواسطة عباقرة قادرين على تخيل رؤية جديدة تناقض النموذج السائد وتفوق تفهمات عصرهم ومن أهم الأمثلة تطور فهم طبيعة الجاذبية من نيوتن إلى أينشتاين.
التقليل من موضوعية العلم وأهميته لا يخدم البشرية، فالعلم يخدم الإنسانية ليس فقط من خلال توفير أدوات تكنولوجية نعتمد عليها جميعا فى حياتنا اليومية، بل أيضا فى مواجهة تقلبات الطبيعة وعلاج الأمراض المختلفة التى كانت قاتلة قبل التطور الحديث فى علوم الطب والبيولوجيا، وحاليا أثبت العلم أهميته فى مواجهة وباء كوفيدــ19 باكتشاف علاجات ولقاحات فعالة لعلاج المرض ومنع انتشاره فى وقت قصير غير مسبوق.
على الرغم من التقدم العلمى العظيم فمن المدهش أن البعض من الطبقات المتعلمة يعتقدون أن الكوارث مثل الزلازل والبراكين والعواصف والسيول والتسوناميات والأوبئة هى تعبير عن غضب الرب على البشر بسبب خطاياهم ولا يدركون أن الطبيعة ومكوناتها تتصرف حسب قوانين محددة لا يمكن تغييرها أو كسرها، ومسئولية الإنسان اكتشاف هذه القوانين، ومعرفة كيفية التعامل معها، ومنع الأنشطة البشرية التى تهدد البيئة وتساعد على انتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية.
كما أن العلم يمارس حسب قوانين مشددة للتأكد من جودة الأبحاث والتزامها بالقيم الأخلاقية العالية. يجب تقنين طوفان الأخبار التى تعتمد على أنصاف الحقائق، والقراءة المتسرعة للتقارير العلمية وهذا يحدث حاليا مع التشكيك فى سلامة وفاعلية اللقاحات ضد وباء كوفيدــ19 بدون إثباتات علمية، هذا تصرف غير أخلاقى لا يخدم البشرية وسيساعد على استمرار انتشار الوباء. المناقشات بشأن الصالح العام يجب أن تكون مدفوعة بالعلم والأدلة، وليست تحت تأثير أى تحيزات غير موضوعية.
فى الختام، العلم كان ولا يزال القوة الدافعة لتقدم البشرية والحفاظ على البيئة وحمايتها من أخطاء البشر. العلم يدرك قصوره وأيضا يعترف بأخطائه ولا يؤمن بالمعرفة المطلقة، بل يؤمن بالأسلوب العلمى التجريبى لاكتشاف معرفة جديدة دون أى تحيزات.
تقديس العلم غير مرغوب، كذلك التهوين من قيمة العلم وإضعاف ثقتنا به لأن هذا يتعارض مع التطلعات البشرية للتقدم نحو مستقبل أفضل وعلينا ألا نضع حدودا لأحلامنا، ما هو مستحيل حاليا سيصير فى دائرة الإمكان عاجلا أم آجلا من خلال التمسك بالمنهج العلمى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved