حوار مع صديق

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الخميس 15 أبريل 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

قال لى صديقى، وهو «يهاتفنى»: ما لى أراك «عصِىّ القلم»؟ قلت له ضاحكا: «بلى، أنا مشتاق لأصدقائى، وعندى لوعة»، وترحمنا معا على الشاعر العظيم أبو فراس الحمدانى وسيدة الغناء العربى أم كلثوم.
أثار سؤال صديقى الشجن فى النفس.. هل صحيح أننى هجرت الكتابة، أم أن القلم يعاندنى؟ تذكرت قولا للروائى أرنست همنجواى، صاحب رواية «العجوز والبحر»، مفاده: «أن الكتابة هى أصعب مهنة بعد مصارعة التماسيح».
نصحنى صديقى بممارسة رياضة المشى بانتظام، ليس حفاظا على صحتى فحسب، وإنما لأن هذه الرياضة تزوّد الدماغ بالأوكسجين، مما يُغذى المخزون الفكرى اللازم للكاتب.
لم أستفسر منه عن نوع الأوكسجين المقصود، لكنى سألته ساخرا: «هل هذا يعنى أنك تنصح بالسفر إلى الغابات، حيث يكثر الأوكسجين وتتوفر البيئة الخالية من الإنترنت، وشاشات التلفزة، ورسائل جيوش الذباب الإلكترونى، وحواة التحليل الاستراتيجى، والذعر «الكورونى»؟
يا صديقى ما من يوم لا أكرس فيه عدة ساعات للقراءة والتأمل، والشروع فى الكتابة، فى محاولة لملء حقائب الكلمات والمشاعر والبوح الصامت.
أجلس فى مكتبى، أكتب جملة، ثم أصوم أياما، قبل أن أعود لأضيف فقرة أخرى، أقلِّب صفحات كتاب، وأرسم على الورق الأبيض خطوطا وكلمات أو أبياتا من الشعر لشعراء أبدعوا ثم رحلوا.
أميل أحيانا إلى الصمت، والتحديق فى الفضاء، عبر شرفة المكتب المطلة من بعيد على غابة من شجر «القرم» البحرى، أهرب من مشاهد موجعة للقلب، تنشرها شاشات التلفزة: شعوب هائمة على وجهها بين المحيطات والقارات ومخيمات النزوح واللجوء، ومشاهد أخرى على شاشات ترشح منها الدماء البشرية.
يا صديقى
ما فائدة الكتابة فى أزمنة استفحال الأوبئة والحروب والموت والجوع والكراهية؟ وما السبيل لوقف هذا الزخم الهائل من الهذيان والتساؤل اليومى الحارق حول من «سيقاسمنا العشاء الليلة، من الأهل والأحفاد والأصدقاء»، وفى وقت تبصر فيه أعيننا صورا حية لبائسين يبحثون عن بقايا طعام فى صناديق الزبالة، وآخرين يتسولون عدالة أو مسكنا أو لقاحا أو حتى «كمَّامة»؟
يا صديقى
ماذا نقول عند رحيل أصدقاء وأحبة، وقد سرقهم منا الموت، وغادروا الدنيا، ومضوا خلسة من غير وداع إلى دار البقاء وبتوقيت «كورونا» اللعين، ولا تملك لهم إلاَّ الدعاء والتواصى بالصبر، وبريق دمعة حارة تلمع فى العين، وتكوى الفؤاد.
فى زمن مضى، حينما كان يوصف بالمروءة والشهامة والوفاء والجود و«هبة ريح»، كان العرب يوقدون النار على مرتفع، حتى يبصرها تائه يبحث عن طريق، أو عابر سبيل أو جائع أو مكلوم.
أما فى عالم اليوم، فلا نار نبصرها، ولا خبر يأتينا ليدلّنا على الطريق، أو يبشرنا بكنس البؤس والفساد والقبح والظلام من حياة البشرية.
يا صديقى
كلما انهار جدار فى «البيت العربى الكبير» ودخلنا دوّامات الأهوال والأعاصير، يستفزنى من يحاول تحليل المشهد بكلمات باردة، وكأنه اعتاد رؤية مشهد أوطان تنفرط كحبات «سبحة».
فى زمن التيه يا صديقى، نبحث عمَّن يلملم أحلامنا، ولا أخفى عليك أننى فى لحظات التأمل والصمت «الهادر» تمنيت لو كنت أجيد الرقص أو حتى الحداء، لأدندن بشىء من الغناء، على وقع صوت الناى أو «الأرغول ولا أدرى لماذا أتذكر أحيانا الممثل العجوز الأمريكى المكسيكى أنطونى كوين، فى دوره العظيم فى فيلم «زوربا اليونانى» ورقصته الحزينة الشهيرة، وموسيقاها التى قيل عنها إنها «موسيقى الحياة»، وشاركه العالم فيها إعجابا وتقديرا، وهى (الموسيقى والرقصة) التى تنتصر على الفشل واليأس، وتعيد الحياة والحيوية للأشياء التى بهت لونها أو تجمدت.
وتسألنى يا صديقى عن «الحبر العصىّ» ولعلك تبحث عن «زوربا» ليبث روحه ويهبنا «رقصة الأمل».
يا صديقى، يكفى أحيانا صديق واحد، صاحب خيار أخلاقى، لينعش الروح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved