الغلاء المنتظر

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 15 مايو 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

إلى متى ستظل الحكومة تراهن على تحمل الناس موجات الغلاء المتتالية التى باتت توابعها أشبه بالارتدادات الزلزالية التى لا ينجو منها أحد؟! الظاهر أن شكوى المتضررين من ارتفاع أسعار السلع والخدمات سيطول تجاهلها، وكأن شيئا لا يحدث، بدليل التبشير من وقت لآخر بأن هناك ارتفاعا جديدا فى هذه السلعة أو تلك، وربما التسريبات التى وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام عن رفع أسعار الوقود فى أغسطس المقبل خير دليل.
فكما التمهيد النيرانى الذى يسبق المعارك فى الميدان، يتم الحديث اليوم عن قرب رفع أسعار الوقود، بعد أن جرى رفع أسعار العديد من السلع والخدمات التى رافقت عملية تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى، أى أنه وقبل مرور عام على الضربة الكبرى التى أصابت المستهلكين والفقراء فى مقتل، على المصريين انتظار موجة جديدة من الغلاء كون الوقود «بنزين ــ سولار ــ مازوت» يرتبط بشكل عضوى بمناحى الحياة كافة، تنقلا، وتصنيعا، وزراعة.
لم يعد هناك بيت ولا شخص لم يتأثر برفع الأسعار، وليس هناك حديث يعلو فوق الشكوى من رفع الأسعار التى أجبرت العديد من الناس على تغيير نمط وطريقة استهلاكهم، وباتت الغالبية تستغنى عن سلع أساسية، وربما البعض لم يعد لديهم صنف يمكن الاستغناء عنه بعد أن خلت القائمة من كل ما يمكن التخلى عنه، وربات البيوت أكثر معرفة بالحال الذى وصلنا إليه.
كما أن نظرة سريعة على التجمعات التى تتزاحم، بل ويصل بها الأمر إلى حد الشجار أمام سيارات بيع السلع المخفضة التى تقدمها عربات جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة التى تجوب الشوارع وتقف فى عدد من الميادين بالقاهرة والمحافظات، تعطينا عينة على مدى لهاث المواطنين خلف أى منفذ يمكن أن يخفف من لهيب الأسعار الذى يلتهم ما لدى المواطنين من أوراق مالية، لم تعد تصمد فى وجه الحمم الخارجة من أتون الأسواق.
فمع ساعات الصباح الباكر أضيف لربات البيوت مهمة جديدة إلى جوار المهام العديدة التى يقمن بها من أجل تدبير حياة أسرهن اليومية، وهى الخروج إلى المحلات التى تقدم عروضا على السلع التى أوشك عمرها الافتراضى على الانتهاء، أو أمام محال القطاع العام، وسيارات جهاز الخدمة المدنية، سعيا وراء اقتناص عدد من السلع بأسعار مخفضة علها تستطيع الهروب من الأعباء المادية الطاحنة.
والغريب أن رفع أسعار بعض الخدمات لم يرافقه أى تطوير للخدمة، وعلى سبيل المثال فإن رفع سعر تذكرة مترو الأنفاق بنسبة 100% لم يصاحبه أى تغيير، فمحطات المترو بقيت على بؤسها، وماكينات التذاكر المعطلة لاتزال على حالها، وقس على ذلك باقى الخدمات الحكومية التى تمس القطاعات العريضة من المواطنين.
روجت الحكومة أن اتفاقها مع صندوق النقد الدولى، وحصولها على القروض سيكون مفتاحا لحل العديد من المشكلات، غير أن الاتفاقيات المالية مع المؤسسات الدولية لم تنعكس حتى اليوم على المواطنين إلا فى تحملهم فاتورة رفع الأسعار، كترجمة عملية للروشتة الجاهزة التى تطالب بها تلك المؤسسات عادة، مع قليل من الرتوش لتخفيف صدماتها فى شكل برامج حماية اجتماعية لا تسمن ولا تغنى من جوع، وبحيث يبدو الصندوق على سبيل المثال الأم الحنون التى تراعى الفقراء!
سيرد أصحاب الردود الجاهزة بسؤال: ماذا تفعل الحكومة فى ظل المشكلة الاقتصادية الحادة التى نمر بها؟، نعم هناك ظروف صعبة بلا شك، والخروج منها يحتاج من الجميع تحمل نصيبه، غير أن الحكومة مطالبة عند اتخاذها للقرارات أن يكون نصيب الفقراء فى حده الأدنى، فالغلاء ليس قدر هؤلاء وحدهم.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved