مكسرات رمضان

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 15 مايو 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

لست من هواة أن أطلب من الآخرين قراءة أعمالى أو التعليق عليها، ولا أحب من يدمنون هذا الأمر على الفيس بوك، ورغم غزارة ما أكتب فإننى لم أقم بنشر مقال لى إلا ثلاث مرات خاصة مع ما تنشره جريدة الشروق، وقد فعلتها الاسبوع الماضى وقمت ببث مقالى عن نهاية عصر السينما، ولم أتصور أن تأتينى على موقعى على كل هذه التعليقات والاتصالات أبرزها مكالمة من واحدة من ثلاث سيدات كن عماد السينما لسنوات طويلة، وحتى الآن، إنها الفنانة المتوقدة سميرة أحمد، وهذا شجعنى أن أستكمل الكتابة عن حصاد دراما رمضان هذا العام
أيام الحاجة فى الستينيات، كان أهلنا الفقراء يدبرون للأطفال ما يجود به المولى من المشهيات الاضافية، فكانت أيام الشهر مليئة بالخير، الآن ورغم تحسن المستوى وارتفاع الأرقام صار من الصعب علينا تدبير أى نوع من المكسرات، وصرنا نكتفى بنوع رخيص من التمر، رغم خطورته على مريض السكرى، كما أنه فى التراث العربى دليل التقشف، وهكذا ظلت المكسرات الرمضانية دليل التنوع والقدرة الشرائية الكبيرة، ومنها إنتاج هذا الكم المتنوع من المسلسلات الذى يؤكد أننا أغنياء جدا وقادرون، مهما كانت ادعاءات الحاجة، وصارت المسلسلات دليلا على الرضا والاشباع، وان الأغنياء الذين يعيشون خلف حواجز زجاجية لا يمكننا لمسها، ليست لديهم متاعب مع التعليم، والصحة، والاسكان، ومتطلبات الحياة، لذا فإننى مقتنع تماما إننا فى مصر نعيش معا، وأن هناك مصر أخرى بكل خير، وسعادة، وصلت إلى حد الرفاهية المتخمة.
يبدو هذا بشكل واضح فى أيام الحظر، فنحن فى العادة لا نذهب إلى هذه الأماكن، لكنها صارت فى بيوتنا عبر الشاشات، من خلال الأماكن التى يسكنها الذين يحملون هويات مصرية مميزة أكثر منا، فى المسلسلات، والاعلانات، والبرامج، وأنماط الحياة
فى مقالنا السابق تحدثنا عن الوظائف التى يعملون بها وانهم يمتلكون المستشفيات الاستثمارية الكبيرة ويسكنونها، فهى فنادق خمسة نجوم وأكبر، يمكن الاقامة فيها للاستشفاء أو للعلاج، وهى مكتظة بالزبائن، بل موجودة فى أغلب الدراما، وفى مسلسل «جمع سالم» الذى تقوم ببطولته زينة فإن أغلب الأحداث تتم هناك، البطلة تتحدث إنها اليوتوبيا الحديثة. وغالبا ما تكون الأمراض خاصة بالرفاهية، ومنها النسيان أو فقدان الذاكرة، فى أعمال مثل «لعبة النسيان» و«فرصة ثانية»،
و«القمر آخر الدنيا»، وليس فقط المستشفيات، بل المدارس أيضا، مثل المدرسة التى يمتلكها فالنتينو، ولا أعرف من أين جاءوا بهذا الاسم ليكون عائلة، ولصاحب سلسلة مدارس خاصة، صحيح أن مديرة المدرسة سيدة فاضلة حازمة، لكن هذا النوع من المدارس يتكرر وحده فى المسلسلات، ولا أعتقد أن هناك مسافة بين مديرة المدرسة هنا، وما رأيناه فى مدرسة مشابهة فى مسلسل رمضانى باسم «مدرسة الأحلام» قامت ببطولته ميرفت أمين، وكان الفيلم بمثابة كشف لما يدور فى الحياة المدرسية والخاصة للطلاب من ناحية وأيضا الطاقم الإدارى.
إذن مسلسل «فالانتينو» لم يأت بجديد، وإن كنت أتمنى أن أرى الوجه الحقيقى فى مدارسنا فى أى عمل، لا بالطبع لن يحدث طالما أن الدراما تطمس العيوب الموجودة فعلا.
كثيرا ما أتعامل مع التخيل العلمى العربى بالحذر، والحساسية، فلسنا قوم علم، فما بحال التخيل العلمى، بدا ذلك بوضوح عندما قام مخرج كبير مثل كمال الشيخ بإخراج رواية «قاهر الزمن» ورأينا مدى النظرة المتخلفة للمعضلات العلمية المستقبلية، فالدكتور الذى يجرى الأبحاث الخاصة بالمستقبل كل ما يدل أنه عالم هو البالطو الأبيض، والميكروسكوب المدرسى، الموجود فى معمله، ولذا تعاملت مع مسلسل «النهاية» بالكثير من الحساسية، وشاهدت حلقات متناثرة تدل أن المسلسل تدور أحداثه فى القرن الثانى والعشرين، وروعنى ما جعلنى أتراجع تماما عن استكمال المشاهدة، فى الحلقة 3، الميكرفون الموجود هو نفسه الذى نستعمله منذ سبعين عاما أى منذ 1950، والموبايل الذى يستخدمه الأشخاص موديل
2020 وكأنه لن يحدث أى نوع من الابتكار، بالاضافة إلى المصطلحات العلمية، فترى هل ستكون العمليات القيصرية هى نفسها بدون أى نوع من الاضافات فى المفهوم، واذا كان المسلسل اهتم بما تكون عليه ديكورات القرن القادم فاعتقد ان تصميم السيارات وغيرها لم تكن بنفس الصورة التى رأيناها، لكن درجات الاختلاف كبيرة جدا، وينطبق الأمر على تسريحات شعر النساء والرجال التى تنتمى فقط لعامنا الحالى، إنها مائة عام حتى ندخل الزمن إياه.
هناك ما يسمى بالحلقات الوسط، من الحلقة الثامنة حتى الخامسة والعشرين، فالحلقات الأولى من كل ملسل يجب أن تكون شديدة الابهار تجذب كلا من المنتج والموزع، والمخرج، وبالطبع المشاهد، وهى تبدو غامضة جذابة تقدم الشخصيات، وعادة ما تكون مدة عرضها فوق ال35 دقيقة، ومن قبل الحلقة الثامنة يكون ايقاع المسلسل قد شد الاطراف المتباينة، وبعد ذلك يبدأ ما يسمى بالحشو، باستضافة شخصيات عابرة أو ضيوف شرف، مثلما يحدث فى «سكر زيادة» وتقل عدد دقائق كل حلقة إلى أقل حد ممكن، ثم يعود الايقاع السريع مع الحلقات الأخيرة، وفى العادة فإن المتفرج يكون قد كوّن فكرته، وفى هذه المرحلة يكون المشاهد قد رسا على عدد أقل من المسلسلات، ومن وقت لآخر قد يعود للمشاهدة، وقد بدا هذا أيضا فى مسلسلين: «لما كنا صغيرين» و«فالنتينو».
السن لا يعترف به فى الفن، سميحة أيوب فى التسعين، وترقص بخفة مع حفيدها، لكن هل عاد سمير صبرى بحيويته؟ ما زال الرجل مهتما بنفسه وهو يعود ممثلا فى «فالنتينو». ومقدم برامج، حيث نراه فى فوازير سينمائية عن الأفلام القديمة تعكس ثقافته الواسعة، لكن سمير صبرى يقدم الفوازير فى شيخوختها، وهو جالس خلف مكتبه يسرد معلومات على خلفية مشاهد مع مخارج غير سليمة، فى حرف السين، هل انتهى عصر الفوازير للأبد، وهى الفقرات التى كانت الأكثر قبولا منذ 1970، ورغم ذلك فإننى أثق فى مقدرة المخرجة مروة زكى.
يبدو أن المؤلفين هذا العام اتفقوا على رفع درجة الكراهية العائلية فى المسلسلات إلى اقصى حد ممكن، بين أفراد الاسرة الواحدة، يبدو هذا فى الصراع الشرس بين الإخوة فى «البرنس»، وتصل الأمور إلى حد تبادل الاتهام بالقتل، ويتضح الأمر أكثر فى «خيانة عهد» حيث تقوم الأخت الأصغر بدس حقن المخدرات فى جسد ابن اختها الوحيد الذى ينوى التراجع عن الإدمان، والجرائم المركبة هنا شديدة القسوة، فالطبيبة عهد تفعل ذلك عن عمد، وتكرر فعلتها لدرجة أن الشاب يموت مع سبق الاصرار.
وسط الحرص على متابعة مسلسلات كبار النجوم والمخرجين تنبهت إلى أهمية مشاهدة مسلسلات فى الظل، وكانت المفاجأة فى الحلقة الأولى من مسلسل باسم
«القمر آخر الدنيا» للمخرج تامر حمزة، وأعترف أننى لم أشهد مثل هذه المشاهد الطويلة جدا مرة واحدة سوى فى الفيلم الفرنسى «الموت على الهواء» لبرنارد تافرنييه، والفيلم البريطانى «آتونمنت»، ( تكفير) فالكاميرا تدخل مرة مع شخص، وتظل تتشعب بمتابعة أشخاص آخرين حتى تدخل فناء البيت ليقوم بتوصيل طلب للمنزل، وتتبع الكاميرا سيدة البيت داخل الصالة والغرف لنراها فى الشرفة، ثم تأتى الأم لتعطى النصائح، وتخرج إلى الشارع ليبدأ المشهد الثانى، هذا النوع من المشاهد الطويلة لا يصنعها مخرجو المسلسلات التجارية، لكن الأمر يجعل المتفرج يخسر كثيرا لو عبرت منه هذه الأعمال، المسلسل بطولة بشرى، وسميرة عبدالعزيز
أنتمى إلى جيل كان حريصا على حلاقة ذقنه يوميا كل صباح، وقد ساعدتنا على ذلك سنوات التجنيد، والذهاب إلى الوظائف فى مواعيد ثابتة يوميا، ولم نكن نحتمل خشونة الذقن ساعة إضافية، وقد صارت اللحية هوسا بالنسبة لجيل تال لنا رأى ان اللحية أمر مرتبط بالتدين، ثم صار الأمر نوعا من الشياكة أو الخنفسة، وبالتقريب فإن كل شباب المسلسلات أطلقوا لحاهم، وصاروا بالتقريب أقرب إلى وجه واحد، حيث اللحية الكثيفة تخفى تفاصيل الوجوه التى تبدو غريبة تماما ومن الصعب التعرف على ما وراءها.
هذا النوع المستحدث من المشاهدة، والذى أطلق عليه بالمشاهدة المتكسرة ساعد الناس على عدم احترام المشاهدة المأمولة، وقد أحدث شروخا ملحوظة فى أذواق الأجيال، فلعلك تبدأ المشاهدة من الحلقة العاشرة، وتستمر دون أن تحس ان شيئا ما فاتك، كما يمكن أن تفوتك مشاهدة حلقة أو أكثر من مسلسل، دون الشعور انك فى حاجة إلى الفرجة، وهذا أمر فى منتهى الخطورة، وكمستمع محترف للدراما الاذاعية خاصة الرمضانية، فإن الناس أيام ازدهار هذا النوع ، كانوا ينتظرون بلهفة موعد الاذاعة، وأتمنى أن نعرف سر المتعة من العواجيز الذين تابعوا مسلسل سمارة، والمسلسلات التى أخرجها محمد علوان.
وفى التلفزيون مسلسلات «أبنائى الأعزاء شكرا» ، و«رأفت الهجان»، و«الشهد والدموع»، و«الدموع فى عيون وقحة».
«اللى حايقرب من الديك الرومى ده حاقتله»، ثم تقوم الأم عند قمة المائدة فى آخر أيام شهررمضان، أسرتها من الأبناء والاحفاد جالسين حول المائدة، وايضا زوجها، وزوجة ابنها، وأحفادها، تمسك السيدة الكبيرة بالسكين، وهى تنطق بالجملة، فيمتثل لها الجميع، هذا نموذج لموقف كوميدى يثير الضحك فى الحلقة الأولى من مسلسل «رجالة البيت» بطولة أحمد فهمى، أكرم حسنى، بيومى فؤاد، لا تعليق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved