الثوابت القومية فى المشهد الخليجى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 15 يونيو 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

عند النظر إلى المشهد الخليجى العربى الحالى ينبغى التفريق الحذر بين جانبين فى صورة المشهد: الجانب الأول يتعلق بالخلافات السياسية ــ الأمنية ــ الإعلامية فيما بين مجموعة من أعضاء مجلس التعاون. أما الجانب الثانى فيتعلق بمصالح وثوابت قومية عربية عليا يجب أن تنأى بنفسها عن المؤقت والمتغيُر المتحول.
نحن فى مقال اليوم معنيون بالجانب الثانى من الموضوع الذى يفرض على جميع الجهات مسئولية قومية وأخلاقية بأن تتذكر وتحاول أن تلتزم بالآتى:
أولا: لقد عملت شعوب وحكومات دول مجلس التعاون الست، عبر أكثر من ثلث قرن، على بناء منظومة قومية عربية تسعى فى مراحلها الأولى إلى الاندماج الاقتصادى، والتنسيق السياسى لبناء مفاهيم واستراتيجيات مشتركة، والتعاون الأمنى لحماية الجميع ضد الأعداء المشتركين. وكما نص النظام الأساسى للمجلس فان الهدف النهائى هو قيام نوع من الوحدة العربية الجزئية فيما بين دول المجلس. ولقد طرح موضوع الانتقال إلى الوحدة رسميا أكثر من مرة كتعبير عن التزام قادة دول المجلس بذلك الهدف القومى المصيرى. وفى الوقت نفسه أظهرت استطلاعات للرأى وتصريحات كثيرة من قبل الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى فى الدول الست عن رغبة الغالبية الساحقة من مواطنى دول المجلس بالانتقال السريع المدروس إلى هدف الوحدة، خصوصا بعد أن اشتعلت النيران فى كل أرجاء الوطن العربى وفى أقليم الشرق الأوسط، وضعف إلى حدود مفجعة العمل العربى القومى المشترك فيما بين أقطار الوطن العربى كلُه، ممثلا بهزال مفروض أصاب الجامعة العربية.
هذا الجهد المتعاظم والبناء البالغ الأهمية، والذى أصبح من المقدسات السياسية عند مواطنى دول الخليج العربى، يجب ألا تصل إليه أى نيران، ولا يصيبه أى رذاذ، ولا يوقف مسيرته أى خلاف، ولا يسمح للقوى الصهيونية ــ الاستعمارية أن تستغل الفرصة لإضعافه وإدخاله فى المتاهات الاستخباراتية التى تحيكها ليل نهار.
يكفى المجلس ألما وشعورا بالمهانة لتخطى استعمال أدواته المتاحة من جهة، ولعدم الأخذ عبر سنى حياته بأصوات واقتراحات الكثيرين الذين طالبوا بأن تحتوى تركيبة المجلس على جهة قانونية وقضائية لحل كل أنواع الخلافات ولمنع أى نشاط يضر بمصالح المجلس المشتركة.
مجلس التعاون يحتاج أن يحاط بحيطان من الخطوط الحمر بحيث لا تمس تركيبته ولا تعطل مسيرته، ولا يحرف عن أهدافه الوطنية والقومية من قبل أى كان. والتاريخ قد علمنا بأن الشعوب لن تغفر لمن يدمر أحلامها.
***
ثانيا: لقد أثبتت السنوات السبع الماضية بأن إقحام الخارج فى الشئون الداخلية للأمة العربية، لترجيح هذه الكفة أو تلك، قد قاد إلى كوارث.
أما الدول الغربية، ذات المطامع الاقتصادية أو الممارسات الاستعمارية، فإنها لم تدخل فى خلاف عربى إلا وحرفته ودولته وجعلته خلافا مستعصيا على الحل. وأما الاستعانة بالعدو الصهيونى فإنه كاستعانة الخراف بالذئب اللئيم الجائع.
إن الاستعانة بالخارج لا يمكن إلا أن يقود إلى الابتزاز الاقتصادى والتيه فى الحقارات والمؤامرات الاستخباراتية. وعلى من يريد البرهان أن ينظر إلى الحال الذى وصلت إليه أحوال الأشقاء فى العراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال واليمن.
ثالثا: إن الوطن العربى ينزف دما وقيحا من جراء الصراعات الطائفية العبثية من جهة، ومن جراء الجنون الجهادى التكفيرى الإرهابى من جهة أخرى.
من هنا فان إقحام ذلك الجسد المنهك وإدخاله فى متاهات سياسية جديدة لن يفيد أحداَ، وقد يضُر بما بقى من ثوابت قومية ممتحنة وعاجزة.
إن الاستعانة الوحيدة المعقولة هى فى الطلب من ذلك الجسد القومى المنهك لتضميد الجراح وتقريب وجهات النظر وإبعاد التدخل الأجنبى الاستعمارى الصهيونى. الطلب من ذلك الجسد المثقل بالمصائب لترجيح هذه الكفة أو تلك يجب أن يصبح خطا أحمر، وإلا فإننا سننشر النار فى أرجاء الوطن العربى كله.
نحتاج هنا للتذكُر بأن بعض التدخلات الخليجية الخاطئة فى الماضى، بحسن نية أو بسوء نية، هو أحد أسباب المشهد الخليجى المفجع الذى يتحدى حكمتنا وأخلاقنا.
***
رابعا: لقد قلناها فى الماضى، ونعود لنقولها بقوة وإشفاق فى أيام محنتنا التى نعيشها بخوف وهلع: لا تحملوا الشعوب مسئولية أخطاء ارتكبتها هذه الجهة أو تلك، دون أن تسأل الشعوب عما تريد وعما تشعر به. وبالأخص لا تشعلوا الفتن فيما بين الشعوب.
إن تاريخ الأمة العربية كله هو مشاهد أحزان ومحن كابدتها الشعوب بسبب أخطاء هذا المسئول أو ذاك، أو هذا الفقيه أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، أو هذا المجنون أو ذاك.
السلام والتواصل والتفاهم فيما بين شعوب أمة العرب هو الأمل الوحيد الذى بقى لبناء مستقبل هذه الأمة المنكوبة، والذى سيحاول تدمير ذلك الأمل سيرتكب جريمة لا تغتفر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved