حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.. شروط القيادة. شروط القيادة وغيابها في النظام العربي
هدى رءوف
آخر تحديث:
الإثنين 15 يونيو 2020 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت "الشروق" عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات "حوار مفتوح - من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك" تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر "الشروق".
منحت التطورات الإقليمية بعد عام 2011 الفرصة لكثير من دول المنطقة لممارسة القوة وادعاء القيادة والنفوذ. وفى اطار الاستجابة لدعوة جريدة الشروق لفتح نقاش حول الشروط الواجب توافرها لدولة ما لقيادة النظام العربي، تٌثير القضية محورين لمناقشتهما، الأول يتعلق بالنظام الإقليمي العربي وعودة الحديث عن العمل العربي المشترك، والأخر سمات الدولة القائد في الإقليم أو المنطقة العربية. وقد اعتبر كثيرون منذ سنوات أن الحديث حول العمل العربي المشترك، ومدى وجود نظام إقليمي من عدمه بات محل شك وبلا جدوى في ظل التفكك العربي على مدار سنوات، لكنى أتصور أنه في ظل تطورات المنطقة منذ 2011 وحتى الآن والتي خلقت تهديدات جديدة غير المتعارف عليها منذ عام 2011 منها تفكك عدة دول عربية وخلق فراغ قوة لم تسع سوى تركيا وإيران لملئه، قد يكون مطلوبا إعادة الاعتبار للحديث عن النظام الإقليمي العربي، وضرورته في ظل توغل نفوذ دول الجوار العربي.
***
وفى السطور التالية سأركز على السؤال المطروح بشكل مباشر، وهو ما هى الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى مهام القيادة فى النظام العربى لمواجهة التحديات المفروضة أو المطالبة بمكانة الدولة القائد؟
إن القيادة باعتبارها أحد استراتيجيات السياسة الخارجية للدول، محملة بأساس أخلاقي ووظيفي، ومن ثم تفترض أن هناك أهدافا تسعى الدولة القائد لتحقيقها عبر توظيف أدوات مختلفة من مصادر القوة، أهم تلك الأهداف هو تعزيز النظام القائم باتباع نهج تعاوني، وفى حالتنا هنا نتحدث عن النظام العربي.
ووفقا لأدبيات العلاقات الدولية، هناك شروط لممارسة القيادة سواء على مستوى النظام العالمي أو المستوى الإقليمي ومنه بالطبع النظام العربي، وبالتالي يمكننا معرفة من يمكنه تولى مكانة قيادة النظام العربي أو الإقليم بشكل عام. وسيتم إيجاز تلك الأسس أو الشروط في النقاط التالية:
1- توافر القدرات ومصادر القوة الصلبة والناعمة: لممارسة القيادة بين مجموعة من الدول لابد له من توافر القدرات والإمكانات، على أن تتحول تلك القدرات إلى تأثير ملموس ونفوذ في محيطه. وبالمقارنة بين الدول العربية من حيث مصادر القوة التي تمتلكها، وإذا وسعنا النطاق لإدخال دول مثل تركيا وإيران وإسرائيل سنجد أن مصادر القوة تتوزع بين دول المنطقة سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الديموغرافية، ومن ثم لا تحتكر دولة واحدة مصادر القوة بحيث يحسم مكانة القيادة لها فى ظل التنافس الإقليمي.
2- توافر الرغبة والإرادة السياسية: لابد أن تتوافر لدى دولة ما الإرادة للعب دور قيادي، وليس مجرد توافر مصادر القوة، وبالتالي قدرتها على تأسيس نظام له قواعده وقيمه ومعاييره المنظمة له، على أن يتسم هذا النظام بقبول شرعيته من جانب الدول المكونة له.
3- تحمل مسئوليات وعبء النظام: لابد للدولة القائد أن توفر المنافع العامة للنظام العربي، مثل تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والسياسي، تعزيز التعاون التجاري وتنسيق السياسات الاقتصادية، المساهمة في حل صراعاته وأزماته، فالدولة تخلق بيئة مستقرة تعمل على تنميتها، وتستثمر مواردها من أجل استقرار النظام واستمراره.
4- الاعتراف من الآخرين بمكانة الدولة القائد: فلا يكفى المطالبة بالقيادة، فالدولة القائد تكتسب مكانتها من اعتراف الآخرين بها وبالتالي هناك من يقبل قيادتها، ومؤشرات ذلك أن تقوم دول النظام بإعادة تعريف مصالحها وخياراتها السياسية وفقا لخيارات وتفضيلات الدولة القائد. وتحصل على هذا القبول من خلال نشر الافكار والمبادرات عبر مؤسسات إقليمية سياسية ومالية ومحاولة تقديم إغراءات وحوافز ومساعدات للدول الأخرى بالنظام العربي. إذ لابد من تقدير تلك الدول لدور الدولة القائد في السعي لتحقيق الأهداف الجماعية، وتشبيك مصالحهم مع مصالحها التي يضعون فيها ثقتهم.
***
ونظراً للأزمات العربية، فقد استدعت تدخل قوى كتركيا وإيران وروسيا في الصراعات الداخلية، حتى وإن تدخلت فيها بعض الدول العربية، إلا أنه حتى الآن لم تتمكن أي من الدول العربية حسم الصراعات المشتعلة، والتأثير في موازين القوة على الأرض، مما جعل الدول غير العربية هى التي تقرر مصير الصراعات العربية، بل هى المنخرطة في أي مفاوضات أممية أو دولية بشأنها. لذا فاستمرار تدخل القوى الخارجية سيصعب من وجود دولة عربي قائد، ومن أهم معوقات بروز القيادة غياب التوافق العربى بشأن تعريف واحد للمصالح والتهديدات التي تواجه المنطقة، فلكل دولة رؤيتها الخاصة بشأن الصراع في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وحتى الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين أو العلاقة مع إيران.
هناك فرق بين دول تتبع سياسة خارجية نشطة لتحقيق منفعة ذاتية، وبين ممارسة القيادة القادرة على التأثير على أجندة العمل الإقليمي أمنيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا والانخراط في مفاوضات حل الصراعات وتقديم مبادرات لحلها وتعزيز الاستقرار الداخلي والاقتصادي، ومن ثم القيادة ليست إحدى مظاهر خلل توازن القوة لصالح البعض، فلابد من الاعتراف بالدولة القائد من قبل الآخرين، واستمرارها تقديم المنافع العامة للمنطقة من أجل ضمان استمرارها.
فتلك المكانة أكبر من مجرد توافر مصادر القوة والإرادة والرغبة لممارستها، فالأمر يتطلب ممارسة تأثير واعتراف بها، حيث أن العضوية في نادى القوى القائدة يشترط الاعتراف بتلك المكانة سواء من قبل القوى العظمى أو اعتراف الدول الأخرى في النظام العربي، أمر آخر هو أن القيادة ليست مرحلة نهائية أو نتيجة يتم الوصول إليها بل هى عملية استمرارها يتطلب الوفاء بالأسس سالفة الذكر.