التطبيع الحاضر.. والسلام المؤجل

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 15 يونيو 2021 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

منذ أيام نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية موضوعا عن معاناة مبعوث إسرائيل إلى المغرب فى إيجاد مقر له. هناك رفض من جانب أصحاب العقارات تأجير شقة له، وعرضت عليه الحكومة مقرا فى مكان ليس فى وسط الرباط، إلا أنه رفض ذلك، لأنه لا يود أن يبرح قلب العاصمة، والتى تحوى السفارات الأخرى، ويأمل أن يتحول المكتب المراد تأجير مكان له إلى سفارة مكتملة الأركان. وتشير الصحيفة إلى أن التطبيع يواجه رفضا من قطاعات شعبية، وهناك من يعتبره خيانة، وتقف النقابات المهنية موقف الرفض منه، وقد أشعلت الأحداث الأخيرة فى غزة والقدس الشرقية مشاعر الرافضين للتطبيع، وألغيت مباريات كرة قدم كان مزمع تنظيمها بين فرق مغربية وأخرى إسرائيلية. وبالرغم من ذلك، فإن الصحيفة تراهن على السياحة بوصفها مدخلا مهما لمد جسور التطبيع بين الدولتين، خاصة بعد توقيع الاتفاقات الابراهيمية، ويُقدر عدد السياح الإسرائيليين بنحو خمسين ألفا فى السنة، ويتوقع مع تخفيف القيود على السفر والتنقل نتيجة جائحة كورونا أن يزداد العدد بصورة كبيرة.
ما يحدث فى المغرب، تعرفه مصر بصورة أو بأخرى، رغم أن هناك اتفاقات سلام بين مصر وإسرائيل لأكثر من أربعين سنة إلا أن ملف التطبيع على المستوى الشعبى لم يتحرك إلى الأمام. وتحرص الدولة المصرية طيلة العقود الماضية وحتى الآن، أن تفصل بين العلاقات السياسية والأمنية بين الدولتين التى تضطلع بها المؤسسات الدبلوماسية والأمنية من ناحية، وبين علاقات التفاعل والتعاون على المستوى الشعبى من ناحية أخرى، ولا تمارس ضغطا أو تفرض توجها أو تدفع فى اتجاه غير مهيأ له المجتمع حتى الآن، وحتى الدول التى اتجهت إلى التطبيع مؤخرا مع إسرائيل ــ مثل المغرب ــ قد تجد صعوبات فى رفع مستوى التفاعل على المستوى الشعبى فى الأفق القريب.
السبب فى ذلك أنه يصعب تحقيق التطبيع ــ أى العلاقات الطبيعية بين إسرائيل والدول العربية ــ فى ظل بقاء القضية الفلسطينية. هذه هى خلاصة الأحداث. وقد تهاوت فرضية «ترامب» بأن التطبيع لا علاقة له بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين فى أول اختبار لها فى القدس الشرقية وغزة، وظهرت تعرجات اجتماعية وسياسية خطيرة: غزة المحاصرة، المدن التى تشهد عنفا مجتمعيا بين السكان العرب واليهود داخل إسرائيل ذاتها، أحداث القدس الشرقية من حى الشيخ جراح إلى المسجد الأقصى، ويكفى أن وفدا تابعا لإحدى الدول العربية التى مضت فى طريق التطبيع مؤخرا زار المسجد الأقصى ــ قبل اندلاع الأحداث الأخيرة ــ تعرض لمشاحنات وملاسنات من جانب الفلسطينيين، وكان عليه أن يكون فى حراسة الشرطة الإسرائيلية، وذكرت متابعات صحفية أن هذه النوعية من الزيارات سوف تشهد تأمينا مضاعفا فى الفترة المقبلة.
ورغم أن إدارة «بايدن» تريد أن تستمر مسيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وألمحت مصادر إعلامية إلى أن عُمان والسودان قد تتجهان إلى تبادل السفراء مع إسرائيل قريبا، إلا أن هناك إدراكا ــ حتى لو خافت ــ من جانب الإدارة الأمريكية أنه ينبغى إحياء «حل الدولتين»، ومفاوضات السلام، والعودة إلى اتفاقات «أوسلو» من خلال دعم السلطة الفلسطينية، وتهيئة الأجواء إلى العودة إلى المفاوضات، وظهور آراء تريد أن تشجع وتحفز «حماس» على المضى فى هذا الطريق، رغم الأصوات المتشككة فى ذلك.
هل يمكن أن يتحقق ذلك؟ أم أن وحدة القرار باتت صعبة على الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved