أخطأت يا سيادة الرئيس

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 16 يوليه 2012 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

التصريحات التى نقلت على لسان الرئيس محمد مرسى بعد زيارته للسعودية جانبها التوفيق، وتبعث على القلق بأكثر مما تبعث على الارتياح. أمس الأول (السبت 14/7) نسبت إليه صحيفة الشرق الأوسط السعودية قوله إن مصر تقف على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية، لاسيما فى الخلاف بين حركتى فتح وحماس. ولست أعرف مدى دقة التصريح، لكننى لاحظت أنه لم يكذب، الأمر الذى يدعونى إلى اعتماد صحته، حتى إشعار آخر على الأقل.

 

أصابنى الكلام بالاستياء لسببين، أحدهما أن الموقف المصرى التقليدى المستمر حتى الآن اعتاد على أن يتحدث عن «المسافة الواحدة» فى حين أنه كان منحازا بالكامل ضد حماس بل ومتآمرا على قطاع غزة الذى تديره الحركة. علما بأن أى طفل صغير حتى لو لم يكن فلسطينيا بوسعه أن يكذب حكاية المسافة الواحدة بمجرد أن يعرف أن الرئيس السابق كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل. وهذا التكذيب تحفل به الكتابات الإسرائيلية، التى مازالت تتحسر على أيام الرئيس السابق ورجاله الذين كانوا شديدى الحماس للقضاء على حماس فى غزة، حتى أن وزير الداخلية الأسبق عوزى برعام نشر مقالة فى صحيفة «إسرائيل اليوم» (بتاريخ 2/2/2011) قال فيها إن ترحيب اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات وذراع مبارك اليمنى بالحرب على حركة حماس والإخوان المسلمين تفوق بكثير على الحماس الإسرائيلى والأمريكى. وكان يوسى ميلمان معلق الشئون الخارجية فى صحيفة هاآرتس نشر مقالة فى 19/12/2009 قبل سقوط نظام مبارك، تحدث فيها عن اللواء عمر سليمان ــ رجل المسافة الواحدة! ــ ووصفه بأنه الجنرال الذى لم يذرف دمعة واحدة خلال حملة الرصاص المصبوب (المقصود اجتياح قطاع غزة).

 

إننى أفهم أن يتحدث الرئيس عن أهمية المصالحة الوطنية، وضرورة الاحتشاد للدفاع عن حقوق الفلسطينيين التى تهدر كل يوم تحت وطأة التوسع الاستيطانى. لكننى لا أفهم كيف يتساوى القائمون بالتنسيق الأمنى مع إسرائيل مع ضحايا ذلك التنسيق، وتحتفظ مصر بمسافة واحدة مع الاثنين. واستغرب ألا تفرق مصر بين الذين يراهنون على المقاومة وأولئك الذين يراهنون على استرضاء إسرائيل وتملق الولايات المتحدة.

 

إن مصر الثورة لا ينبغى أن تكون محايدة بين الحق والباطل فى الملف الفلسطينى، ذلك أن الحياد فى هذه الحالة يعد انحيازا ضمنيا للباطل، فضلا عن أنه يصبح ابتذالا لمصطلح المسافة الواحدة، التى لا تكون إلا بين ندَّين يرفعان رايات الحق وتتفاوت اجتهاداتهما فى كيفية تحصيله.

 

يبرز قلقى من التصريح الذى نسب إلى الرئيس مرسى أننى قرأت مقالة نشرتها صحيفة الحياة اللندنية فى 4/7 الحالى لأحد الكتاب السعوديين كان عنوانها: ماذا يريد الخليجيون من مرسى الإخوان؟ (يقصد الرئيس مرسى). وفى المقالة تحدث الكاتب عن أربعة ملفات رئيسية، يطلب الخليجيون من حكومة الإخوان أن تتبنى موقفا إيجابيا منها (من وجهة النظر الخليجية) وكان الملف الرابع يتحدث عن ضرورة الحفاظ على «مسافة واحدة وعدم الانحياز لأحد طرفى الخلاف القائم فى الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس.

 

لا أستبعد أن يكون الأمر محض مصادفة أن ينظر إلى كلام الأكاديمى السعودى فى 4/7، ثم يتردد مضمونه على لسان الرئيس المصرى فى 14/7 بعد زيارته للسعودية، لكن المصادفة لا تلغى الشعور بالتوجس والقلق من لغة الخطاب التى تمنينا أن تتغير بعد الثورة، بحيث تكون معبرة عن أشواق الشعوب ومنحازة إلى حقوقها، بأكثر من تعبيرها عن مصالح الأنظمة واستراتيجيات الدول الكبرى.

 

كنت قد انتقدت أمس كلام الرئيس محمد مرسى الذى تناقلته صحف الجمعة وتحدث فيه عن دور المملكة العربية السعودية ومصر فى حماية الإسلامى الوسطى السنى. إذ اعتبرته نكوصا وتراجعا عن الموقف التقليدى للأزهر، إزاء الشيعة الاثنى عشرية، ويفتح الباب لاحتمال الاصطفاف السنى فى مواجهة إيران التى تقود معسكر الشيعة، الأمر الذى يدخل المنطقة فى صراع مذهبى يطغى وينسينا الصراع الأصلى والتناقض الرئيسى بين العرب وإسرائيل.

 

لقد لاحظت فيما نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم السبت الفائت أنها نقلت على لسانه قوله إن ما صرح به فى هذا الصدد لا يوجه رسالة سلبية ضد أحد، لأن مصر ليس لديها أى عداوة أو ضغينة ضد أى دولة. وهو نفى غير مقنع لفكرة الاصطفاف السنى فى مواجهة الشيعة. لكنه مع ذلك يبرز أهمية الحذر الذى ينبغى أن يتوخاه الرئيس فى تصريحاته، لكى يكون أصدق تعبيرا عن مصر الجديدة التى هى بالأساس كنز استراتيجى للعرب أجمعين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved