تاريخى

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 15 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تحت وطأة أزمتها تتحكم فى جماعة الإخوان المسلمين التهيؤات أكثر من التصورات، تنسب (٣٠) يونيو إلى نظريات المؤامرة والانقلابات العسكرية، تنكر التظاهرات المليونية التى خرجت ضدها والتى لا مثيل لأحجامها فى التاريخ الإنسانى كله، وتعفى نفسها من أية مسئولية عن فشلها المؤكد.

 

رهاناتها على مستقبلها تتضارب ما بين إرهاب مجتمعها بالاحتراب الأهلى ليعود رجلها مرة أخرى إلى القصر الجمهورى وطلب دعم المجتمع ذاته لمثل هذه العودة!، تحاول أن تلعب دورى «الارهابى» و«الضحية» فى الوقت نفسه، خطاب قياداتها يحاول أن يبدى تماسكا على موقف هش.

 

الكلام عن رجوع «محمد مرسى» للرئاسة بعد (١٨) يوما أو قرب نهاية رمضان يصلح لاستمرار الاعتصامات فى «رابعة العدوية» لمدة أخرى لكن إخفاق التعبئة فى اجتذاب دعم شعبى أوسع يغير من التوازنات يطرح فى النهاية الاسئلة الصعبة عن أهلية مكتب الإرشاد لإدارة الأزمة، ومسئوليته عن الفشل الذريع الذى آلت إليه تجربة الحكم، وطبيعة الصلات التى تجمع الإخوان مع المنظمات المسلحة فى سيناء، وما إذا كان لها تنظيم خاص عنده مخازن سلاح وعناصر مدربة على العنف على عكس ما كان يروج على مدى عقود عن نزوعها للسلمية ونبذ العنف من قاموسها السياسى.

 

الأسئلة المؤجلة لها مواقيتها وإجاباتها تدخل فى تقرير مصير الجماعة.. فى البداية تصورت أن إرهاب المجتمع باحتمالات الاحتراب الأهلى يصلح سلاحا للردع يمنع عزل الرئيس بإرادة شعبية، وهو نفسه فى خطابه الرئاسى الأخير تبنى خطاب الترهيب على نحو مفرط، وبعد عزله انتقل التلويح إلى التنفيذ، وجرت مواجهات فى الشوارع وعمليات ضد الجيش فى سيناء، ووصلت محاولات الترهيب إلى حدود رهن منع الاعتداء على أكمنة الجيش والأمن فى سيناء بعودة «مرسى» للحكم.. «فى ثانية واحدة» يتوقف العنف على ما قال الدكتور «محمد البلتاجى».

 

الكلام بنصه يدمغ الجماعة بالإرهاب، وينفى عنها ما حاولت أن تنفيه منذ اغتيالات الأربعينيات وذروتها مقتل رئيس الحكومة «محمود النقراشى باشا» على يد تنظيمها الخاص الذى أعقبه مقتل مؤسسها «حسن البنا» على يد عناصر من الأمن.

 

فى التلويح بالاحتراب الأهلى انتحار تاريخى ينفى عن الجماعة أهليتها للحكم أو أن تكون مؤتمنة على الأمن القومى.. ويطرح تساؤلات إضافية عن حقيقة مقتل (١٦) جنديا فى رفح أثناء الإفطار فى رمضان الماضى، وإذا ما كان الحادث الدموى مخططا لإحداث تغيير جوهرى فى بنية السلطة بإقالة المشير «محمد حسين طنطاوى».. وعن حقيقة عودة الجنود السبعة المختطفين وعمليات تخريب خطوط الغاز التى توقفت أثناء السنة التى تولى فيها «مرسى» السلطة.

 

استدعاء العنف بدا رهانا على توفير أجواء اضطراب واسعة تدعو فى حدها الأقصى لعودة «محمد مرسى» إلى الرئاسة وتسمح فى حدها الأدنى برفع سقف المقايضات على سلامة الجماعة ومنع تعقب كوادرها العليا ومحاكمة قياداتها وعدم مصادرة مواردها المالية.. غير أن العنف أفضى إلى مواجهات دموية مع الأهالى عمقت من أزمة الجماعة وأكدت عزلتها عن مجتمعها كما لم يحدث فى تاريخها كله منذ تأسيسها عام (١٩٢٨)، فليس بوسع جماعة أيا كان حجمها أن تكسب صراعات من مثل هذا النوع ضد مجتمعها كله.. وتحت وطأة الخسارة فى الميادين المفتوحة حاولت تاليا تجنب الصدام مع الأهالى بقدر ما تستطيع والتحرش بالجيش بقدر طاقتها للتشهير به على أوسع نطاق دولى استدعاء لتدخل ما.

 

الرهان على التدخل الأجنبى ينطوى على مأساتين، الأولى أن الجماعة راهنت فى حفظ نظامها على ما تصورت أنها وعود حصلت عليها من الإدارة الأمريكية، ولهذا السبب بالذات لم تتصور للحظة واحدة أن الجيش يمكن أن يتدخل حتى لو كانت مصر على وشك الدخول فى فوضى واسعة تقوض أمنها القومى وسلامة شعبها والدولة نفسها، فضلا عن أن تخرج فيها مظاهرات مليونية تطلب رحيل نظامها.. والثانية أن طلب التدخل الأجنبى، والكلام العام يشير إلى أن يكون عسكريا، يناقض الخطاب الذى دأبت على تبنيه جماعة الإخوان المسلمين لعقود امتدت، وهو يشكك فى سلامة عقيدتها الوطنية.

 

فى الكلام بانفعالاته مراهقة استراتيجية تفارق الحقائق، فللولايات المتحدة مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط، ومصر دولة مركزية لا يمكن الاستغناء عنها، والثقة فى الجيش المصرى أكبر من الثقة فى الجماعة، ولا يعنى التضرر الاستراتيجى الأمريكى من خسارة رهانه على الجماعة فى إعادة ترتيب المنطقة من جديد أن تخسر الجيش المصرى ومعه مصر كلها!

 

بدا فى التصريحات الأمريكية ارتباك واضح، غير أنها مالت بالتدريج إلى وصف نظام «مرسى» بأنه لم يكن ديمقراطيا، وأن الديمقراطية لا تلخصها صناديق الاقتراع وحدها، وأنه كان فاشلا فى إدارة ملفاته، والمعنى أن فكرة التدخل الأجنبى رهان على وهم استبد بأصحابه.

 

التعبئة بلا رؤية تستند على حقائق تفضى إلى طرق مسدودة.. وهناك قضيتان مختلفتان فى التعاطى مع أزمة إطاحة «مرسي»، الأولى وهى من طبائع الأمور فى التحولات المماثلة أن ترفض الجماعة الاعتراف بما جرى فى (٣٠) يونيو وما بعده، ألا تعترف بالرئاسة المؤقتة، وأن ترفض المشاركة فى الحكومة الانتقالية، وأن توصف الموقف كله على أنه اغتصاب سلطة، وإنكار أن يونيو ثورة مكملة ومصححة ليناير هو من طبيعة دفاعها السياسى عن شرعية تتصورها. الخطاب الإخوانى الآنى مؤقت بطبيعته، فلا أحد بوسعه أن يستمر فى تجاهل الحقائق والعناد معها.

 

والثانية وهى من طبائع الأمور التالية، أن تنظر فى المرآة وترى الصورة على حقيقتها، وأن تأخذ الطبيعة السياسية وقتها لإعادة النظر فى مسئولية «القيادة القطبية» لمكتب الإرشاد عن التدهور الخطير على المستويين السياسى والشعبى وما يستتبعها فى إعادة نظر أخرى للبنيتين التنظيمية والفكرية، وهذه قد تحدث قطيعة مع تاريخها على مدى (٨٥) عاما.

 

ما بين «المؤقت الراهن» و«الحساب المؤجل» من غير المستبعد أن تشارك الجماعة فى العملية السياسية الجديدة بطريقة غير معلنة، كأن تخوض الانتخابات النيابية على قوائم أحزاب أخرى على ذات النسق الذى اتبعته مع حزبى «الوفد» على عهد «فؤاد سراج الدين» و«العمل» على عهد «إبراهيم شكرى»، أو فرديا دون إفصاح عن هوية المترشح كما فعلت أكثر من مرة فى انتخابات نيابية سابقة. الجماعة ببرجماتيتها الزائدة مرشحة لعودة ما أسرع من أى توقع من الأبواب الخلفية، ويظل خيار «عدم الإقصاء» عنوانا صحيحا على المستقبل وسيناريوهاته المفتوحة، فالاجتثاث فاشل سلفا، والتجارب المماثلة أثبتت فشله. الفكرة ذاتها تعمق نوازع العنف.

 

المصالحة الوطنية وضروراتها مؤكدة تصحبها تساؤلات عما إذا كانت تعنى إغفال جرائم ارتكبت أو إبقاء على أوضاع استدعت الثورة عليها فى (٣٠) يونيو.

 

هناك فارق كبير بين المصالحة والتواطؤ، وفارق كبير آخر ما بين الحزم الضرورى لسلامة المجتمع والكلام العشوائى عن إجراءات استثنائية، فالاستثناء قد ينال من تطلعات بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة على ما طلبت ثورة يناير وتنكرت الجماعة، وفكرة الاجتثاث تحرم قطاعا من المجتمع المصرى من حقه أن يلتزم بفكرة يعتقد فيها وأن يعبر عن نفسه بصورة سلمية.. لكن ذلك لا يعنى عودة الجماعة للعمل «خارج القانون»، فلابد من توفيق أوضاعها وأن تخضع مصادرها المالية لرقابة أجهزة الدولة، وأن تحافظ على دورها «الدعوى» لا تتجاوزه.

 

كانت مشكلتها أنها طلبت الحكم وسيطرت على جهاز الدولة ومضت فى مشروع «التمكين» إلى أقصى ما استطاعت دون أن تكون مستعدة أن تخضع لمقتضيات قوانين الدولة التى تحكمها، تصورت نفسها دولة فوق الدولة، أنشأت هيكلا مسخا بأسماء مجهولة أطلقت عليه اسم جماعة الإخوان المسلمين لكى تنظر الأجهزة الرقابية فى ميزانيته، بينما مكتب الإرشاد ومجلس الشورى والمكاتب الإدارية تعمل فى مقار معلنة بلا رقابة تمنع عملها فى السياسة على ما يقضى قانون الجمعيات الأهلية.

 

الأوضاع المختلة تستحق تصحيحا جذريا، قد ترفضه الجماعة الآن لكن لا سبيل أمامها للبقاء فى المعادلات العامة سوى الالتزام بالقانون وتوفيق أوضاعها بمقتضاه بلا تحايل عليه، أو أن تواجه شبح مصادرتها كاملة، وهو خيار صعب لكنه قد يكون إجباريا بعد تجربة مريرة كادت تقوض الدولة وأركانها.

 

فى الخيارات الضيقة عند الطرق المسدودة تواجه الجماعة حالة انتحار تاريخى تنزلق إليه.

     تاريخى

 

عبدالله السناوى

 

تحت     وطأة     أزمتها     تتحكم     فى     جماعة     الإخوان     المسلمين   التهيؤات أكثر من التصورات، تنسب (٣٠) يونيو إلى نظريات المؤامرة والانقلابات العسكرية، تنكر التظاهرات المليونية التى خرجت ضدها والتى لا مثيل لأحجامها فى التاريخ الإنسانى كله، وتعفى نفسها من أية مسئولية عن فشلها المؤكد.

 

رهاناتها على مستقبلها تتضارب ما بين إرهاب مجتمعها بالاحتراب الأهلى ليعود رجلها مرة أخرى إلى القصر الجمهورى وطلب دعم المجتمع ذاته لمثل هذه العودة!، تحاول أن تلعب دورى «الارهابى» و«الضحية» فى الوقت نفسه، خطاب قياداتها يحاول أن يبدى تماسكا على موقف هش.

 

الكلام عن رجوع «محمد مرسى» للرئاسة بعد (١٨) يوما أو قرب نهاية رمضان يصلح لاستمرار الاعتصامات فى «رابعة العدوية» لمدة أخرى لكن إخفاق التعبئة فى اجتذاب دعم شعبى أوسع يغير من التوازنات يطرح فى النهاية الاسئلة الصعبة عن أهلية مكتب الإرشاد لإدارة الأزمة، ومسئوليته عن الفشل الذريع الذى آلت إليه تجربة الحكم، وطبيعة الصلات التى تجمع الإخوان مع المنظمات المسلحة فى سيناء، وما إذا كان لها تنظيم خاص عنده مخازن سلاح وعناصر مدربة على العنف على عكس ما كان يروج على مدى عقود عن نزوعها للسلمية ونبذ العنف من قاموسها السياسى.

 

الأسئلة المؤجلة لها مواقيتها وإجاباتها تدخل فى تقرير مصير الجماعة.. فى البداية تصورت أن إرهاب المجتمع باحتمالات الاحتراب الأهلى يصلح سلاحا للردع يمنع عزل الرئيس بإرادة شعبية، وهو نفسه فى خطابه الرئاسى الأخير تبنى خطاب الترهيب على نحو مفرط، وبعد عزله انتقل التلويح إلى التنفيذ، وجرت مواجهات فى الشوارع وعمليات ضد الجيش فى سيناء، ووصلت محاولات الترهيب إلى حدود رهن منع الاعتداء على أكمنة الجيش والأمن فى سيناء بعودة «مرسى» للحكم.. «فى ثانية واحدة» يتوقف العنف على ما قال الدكتور «محمد البلتاجى».

 

الكلام بنصه يدمغ الجماعة بالإرهاب، وينفى عنها ما حاولت أن تنفيه منذ اغتيالات الأربعينيات وذروتها مقتل رئيس الحكومة «محمود النقراشى باشا» على يد تنظيمها الخاص الذى أعقبه مقتل مؤسسها «حسن البنا» على يد عناصر من الأمن.

 

فى التلويح بالاحتراب الأهلى انتحار تاريخى ينفى عن الجماعة أهليتها للحكم أو أن تكون مؤتمنة على الأمن القومى.. ويطرح تساؤلات إضافية عن حقيقة مقتل (١٦) جنديا فى رفح أثناء الإفطار فى رمضان الماضى، وإذا ما كان الحادث الدموى مخططا لإحداث تغيير جوهرى فى بنية السلطة بإقالة المشير «محمد حسين طنطاوى».. وعن حقيقة عودة الجنود السبعة المختطفين وعمليات تخريب خطوط الغاز التى توقفت أثناء السنة التى تولى فيها «مرسى» السلطة.

 

استدعاء العنف بدا رهانا على توفير أجواء اضطراب واسعة تدعو فى حدها الأقصى لعودة «محمد مرسى» إلى الرئاسة وتسمح فى حدها الأدنى برفع سقف المقايضات على سلامة الجماعة ومنع تعقب كوادرها العليا ومحاكمة قياداتها وعدم مصادرة مواردها المالية.. غير أن العنف أفضى إلى مواجهات دموية مع الأهالى عمقت من أزمة الجماعة وأكدت عزلتها عن مجتمعها كما لم يحدث فى تاريخها كله منذ تأسيسها عام (١٩٢٨)، فليس بوسع جماعة أيا كان حجمها أن تكسب صراعات من مثل هذا النوع ضد مجتمعها كله.. وتحت وطأة الخسارة فى الميادين المفتوحة حاولت تاليا تجنب الصدام مع الأهالى بقدر ما تستطيع والتحرش بالجيش بقدر طاقتها للتشهير به على أوسع نطاق دولى استدعاء لتدخل ما.

 

الرهان على التدخل الأجنبى ينطوى على مأساتين، الأولى أن الجماعة راهنت فى حفظ نظامها على ما تصورت أنها وعود حصلت عليها من الإدارة الأمريكية، ولهذا السبب بالذات لم تتصور للحظة واحدة أن الجيش يمكن أن يتدخل حتى لو كانت مصر على وشك الدخول فى فوضى واسعة تقوض أمنها القومى وسلامة شعبها والدولة نفسها، فضلا عن أن تخرج فيها مظاهرات مليونية تطلب رحيل نظامها.. والثانية أن طلب التدخل الأجنبى، والكلام العام يشير إلى أن يكون عسكريا، يناقض الخطاب الذى دأبت على تبنيه جماعة الإخوان المسلمين لعقود امتدت، وهو يشكك فى سلامة عقيدتها الوطنية.

 

فى الكلام بانفعالاته مراهقة استراتيجية تفارق الحقائق، فللولايات المتحدة مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط، ومصر دولة مركزية لا يمكن الاستغناء عنها، والثقة فى الجيش المصرى أكبر من الثقة فى الجماعة، ولا يعنى التضرر الاستراتيجى الأمريكى من خسارة رهانه على الجماعة فى إعادة ترتيب المنطقة من جديد أن تخسر الجيش المصرى ومعه مصر كلها!

 

بدا فى التصريحات الأمريكية ارتباك واضح، غير أنها مالت بالتدريج إلى وصف نظام «مرسى» بأنه لم يكن ديمقراطيا، وأن الديمقراطية لا تلخصها صناديق الاقتراع وحدها، وأنه كان فاشلا فى إدارة ملفاته، والمعنى أن فكرة التدخل الأجنبى رهان على وهم استبد بأصحابه.

 

التعبئة بلا رؤية تستند على حقائق تفضى إلى طرق مسدودة.. وهناك قضيتان مختلفتان فى التعاطى مع أزمة إطاحة «مرسي»، الأولى وهى من طبائع الأمور فى التحولات المماثلة أن ترفض الجماعة الاعتراف بما جرى فى (٣٠) يونيو وما بعده، ألا تعترف بالرئاسة المؤقتة، وأن ترفض المشاركة فى الحكومة الانتقالية، وأن توصف الموقف كله على أنه اغتصاب سلطة، وإنكار أن يونيو ثورة مكملة ومصححة ليناير هو من طبيعة دفاعها السياسى عن شرعية تتصورها. الخطاب الإخوانى الآنى مؤقت بطبيعته، فلا أحد بوسعه أن يستمر فى تجاهل الحقائق والعناد معها.

 

والثانية وهى من طبائع الأمور التالية، أن تنظر فى المرآة وترى الصورة على حقيقتها، وأن تأخذ الطبيعة السياسية وقتها لإعادة النظر فى مسئولية «القيادة القطبية» لمكتب الإرشاد عن التدهور الخطير على المستويين السياسى والشعبى وما يستتبعها فى إعادة نظر أخرى للبنيتين التنظيمية والفكرية، وهذه قد تحدث قطيعة مع تاريخها على مدى (٨٥) عاما.

 

ما بين «المؤقت الراهن» و«الحساب المؤجل» من غير المستبعد أن تشارك الجماعة فى العملية السياسية الجديدة بطريقة غير معلنة، كأن تخوض الانتخابات النيابية على قوائم أحزاب أخرى على ذات النسق الذى اتبعته مع حزبى «الوفد» على عهد «فؤاد سراج الدين» و«العمل» على عهد «إبراهيم شكرى»، أو فرديا دون إفصاح عن هوية المترشح كما فعلت أكثر من مرة فى انتخابات نيابية سابقة. الجماعة ببرجماتيتها الزائدة مرشحة لعودة ما أسرع من أى توقع من الأبواب الخلفية، ويظل خيار «عدم الإقصاء» عنوانا صحيحا على المستقبل وسيناريوهاته المفتوحة، فالاجتثاث فاشل سلفا، والتجارب المماثلة أثبتت فشله. الفكرة ذاتها تعمق نوازع العنف.

 

المصالحة الوطنية وضروراتها مؤكدة تصحبها تساؤلات عما إذا كانت تعنى إغفال جرائم ارتكبت أو إبقاء على أوضاع استدعت الثورة عليها فى (٣٠) يونيو.

 

هناك فارق كبير بين المصالحة والتواطؤ، وفارق كبير آخر ما بين الحزم الضرورى لسلامة المجتمع والكلام العشوائى عن إجراءات استثنائية، فالاستثناء قد ينال من تطلعات بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة على ما طلبت ثورة يناير وتنكرت الجماعة، وفكرة الاجتثاث تحرم قطاعا من المجتمع المصرى من حقه أن يلتزم بفكرة يعتقد فيها وأن يعبر عن نفسه بصورة سلمية.. لكن ذلك لا يعنى عودة الجماعة للعمل «خارج القانون»، فلابد من توفيق أوضاعها وأن تخضع مصادرها المالية لرقابة أجهزة الدولة، وأن تحافظ على دورها «الدعوى» لا تتجاوزه.

 

كانت مشكلتها أنها طلبت الحكم وسيطرت على جهاز الدولة ومضت فى مشروع «التمكين» إلى أقصى ما استطاعت دون أن تكون مستعدة أن تخضع لمقتضيات قوانين الدولة التى تحكمها، تصورت نفسها دولة فوق الدولة، أنشأت هيكلا مسخا بأسماء مجهولة أطلقت عليه اسم جماعة الإخوان المسلمين لكى تنظر الأجهزة الرقابية فى ميزانيته، بينما مكتب الإرشاد ومجلس الشورى والمكاتب الإدارية تعمل فى مقار معلنة بلا رقابة تمنع عملها فى السياسة على ما يقضى قانون الجمعيات الأهلية.

 

الأوضاع المختلة تستحق تصحيحا جذريا، قد ترفضه الجماعة الآن لكن لا سبيل أمامها للبقاء فى المعادلات العامة سوى الالتزام بالقانون وتوفيق أوضاعها بمقتضاه بلا تحايل عليه، أو أن تواجه شبح مصادرتها كاملة، وهو خيار صعب لكنه قد يكون إجباريا بعد تجربة مريرة كادت تقوض الدولة وأركانها.

 

فى الخيارات الضيقة عند الطرق المسدودة تواجه الجماعة حالة انتحار تاريخى تنزلق إليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved