فى الثانية والثالثة والعشرين

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 15 يوليه 2015 - 11:45 ص بتوقيت القاهرة

تعرض الإعلام المصرى لانتقادات حادة بعد تغطيته لأحداث رفح، بداية الشهر الحالى، لكن أحدا لم يعاتب التغطية الصحفية لحادث القنصلية الإيطالية، صباح السبت الماضى، أو وداع النجم الأكبر عمر الشريف.

«دا حدث خطير ولابد إننا كلنا نتصدى للإرهاب». هكذا نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن المستشار أحمد الفضالى، بعد قليل من انفجار القنصلية، فى تقرير بعنوان «‫بالفيديو.. الفضالى بعد تفجير القنصلية الإيطالية: كانوا يحاولون اغتيالى‬».

وانهمرت المعلومات من المصدر الذى اختارته وكالتنا الرسمية لتغطية الحدث.. «انفجرت هذه القنبلة وكأنها استهداف صريح لسيارتى، خاصة ان أنا خرجت بسيارة مختلفة عن سيارتى، ودايما أمشى فى تاكسى أو سيارة مختلفة، بعد ما عرفنا ان هذه الجماعة بتستهدف كل من يواجهها».

استغل الضيف الفرصة ليطالب بسرعة إصدار قانون الإرهاب، مع ضرورة وقوف الشعب معه، «ومهما دمروا عظامنا مش مكاتبنا، مش حنخاف». وينتهى التقرير بخطبة للمستشار الفضالى، يطالب فيها الشعب بإنه «يخطر عن كل متهم وكل مشتبه بيه، وكل جانى، وكل إرهابى قبل أن يرتكب جرائمه».

لم تنفرد الوكالة الرسمية بالموضوع، فقد تسابقت مواقع خبرية كثيرة لتتنقل تصريحات المستشار، واتهامات تيار الاستقلال للإخوان باستهدافه، واحتفلت صفحات التيار بنشر الخبر على مواقع كبيرة مثل سى إن إن العربية، التى وضعت المعلومة وسط سياقها الخبرى. «وذكر تيار الاستقلال أن الانفجار كان يستهدف مؤسسه، أحمد الفضالى، أثناء عودته إلى منزله».

«ذكر تيار الاستقلال» هى العبارة الأساسية فى تقرير الموقع الأمريكى، أى نسبة المعلومة لأصحابها، وسط تفسيرات ومعلومات أخرى. لكن تقرير وكالتنا المصور لم ينسب الرجل لأى منصب، ولم يفصح عن مجال عمله العام، وكل ما تفضلت به الوكالة هو كتابة اسمه العائلى على التقرير: الفضالى بعد تفجير.. إلخ.

«التقرير» كما تسميه «أ. ش. أ» على قناتها بموقع يوتيوب، لم يكن جهدا صحفيا من أى نوع، بل مقابلة مع رجل قانون وسياسة، ورئيس حزب السلام الديمقراطى، ومؤسس تيار الاستقلال، ويشغل منصب رئيس جمعيات الشبان المسلمين العالمية التى تضم مليونى عضو، وتدير 160 جمعية على مستوى مصر، كما ورد على موقع ويكيبيديا. ولم يسمع أحد فى مهنتنا أن المقابلة يمكن أن تتحول إلى تقرير.

«شاهد بالفيديو» أصبح شعارا لسلعة بلا ضوابط، وأحد ألاعيب المواقع لجذب مزيد من المشاهدات، مهما كان الثمن.

فى التغطية الهزيلة لجنازة فنان مصر الكبير عمر الشريف، شاهدت كل التقارير التى ظهرت على يوتيوب مساء يوم الجنازة، وفوجئت بالهلاهيل التى تسميها المواقع الخبرية تقارير. طاقم تصوير مشغول بالحديث والهزار قريبا من الميكروفون، وصور متتابعة من بعيد، وينتهى «التقرير».

التزامات الصحفى فى إعلان الحقوق والواجبات الذى أصدره الاتحاد العالمى للصحفيين فى 1972، هى «احترام الحقيقة، والدفاع عن حرية المعلومات، وعدم نشر معلومات إلا بمصدر معلوم، والإنصاف، والحفاظ على أسرار المصدر، ورفض أى نوع من الاستفادة من النشر أو عدم النشر، وعدم خلط الصحافة بالدعاية».

وكالة أنباء الشرق الأوسط تجنى فى هذا الفيديو ثمار النوعية التى هبط إليها العمل الصحفى، فبعد دقيقة و‪23‬ ثانية بالضبط، سيتقدم رجل الأمن ليظهر جراحه فى الانفجار أمام الكاميرا، ثم يلتفت وهو يتصور أن لقطته انتهت، فيغمز بعينه لشخص ما خارج الكادر.

الرجل الذى تلقى الغمزة فاهم تماما، ومتواطئ تماما، ومثلنا جميعا، خارج الصورة تماما.
محمد موسى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved