الشرق الأوسط: كيف الخروج من الفوضى والحرب؟

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 15 يوليه 2019 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

يعيش الشرق الأوسط على صفيح ساخن عنوانه المواجهة الأمريكية العربية مع إيران التى فجّرها الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى مع إيران. وتوخيا للدقة فالدول العربية الحليفة لواشنطن «الأعضاء» فى هذه المواجهة ليست منخرطة بالدرجة ذاتها لاعتبارات عديدة ومختلفة مع التأكيد على خلافها مع السياسة الإيرانية فى المنطقة. يمكن الحديث عن «ثلاثية المواجهة» التى تقوم على عدم الاكتفاء بالاتفاق النووى باعتباره ورقة قوية مريحة ومربحة فى يد إيران لا يضمن عدم دخولها لاحقا إلى نادى القوى النووية، ووقف تطوير إيران للصواريخ الباليستية المتوسطة المدى وأخيرا الدور الإيرانى التدخّلى فى المنطقة. الدور الذى يقوم على منطق الثورة على حساب منطق الدولة فى مسرح المواجهة الممتد من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا بشأن خاص.

وللتذكير فإن حلفاء واشنطن الأوروبيين متمسكين بالاتفاق ولو أن لهم العديد من الخلافات مع السياسة الإيرانية. يحاولون احتواء الحريق ومنع تمدّده كما تدلّ على ذلك السياسة الفرنسية التى تعكس وتحمل الموقف الأوروبى بهذا الخصوص.

الرئيس الأمريكى يطمئن إيران أنه لا يهدف إلى تغيير النظام بل تغيير سياساته ويدعو إيران إلى التفاوض حسب الأجندة التى وضعها عند الخروج من الاتفاق.

نحن اليوم أمام سيناريوهات ثلاثة هى أولا التفاوض الساخن على الأرض كما هو حاصل.. تفاوض التصعيد السياسى والدبلوماسى والاقتصادى وكذلك التصعيد العسكرى بالوكالة.. تصعيد بين حلفاء الطرفين من دول وقوى مقاتلة ومتقاتلة أساسا فى «مسرح» المواجهة ونقاطه المشتعلة والمترابطة.. إنه سيناريو ازدياد حدّة المواجهة وسخونتها للإمساك بأكبر عدد ممكن من الأوراق بانتظار من سيصرخ أولا فى معركة عض الأصابع للانتقال إلى التفاوض حول الطاولة.

إنه السيناريو الثانى المؤجل بالطبع وذات الموعد المفتوح فى الزمان والذى تعمل له الوساطات التفاوضية عبر دور المسهل والمطمئن. إنه الدور الذى تقوم به أطراف عربية وغربية بشكل كلى أو جزئى لمفاوضات غير مباشرة فى المرحلة الأولى بين واشنطن وطهران.

ثالث هذه السيناريوهات وهو سيناريو مستبعد كقرار سياسى لأحد طرفى الصراع ولو أنه قد يحصل عبر خطأ فى الحسابات: إنه سيناريو الانزلاق نحو المواجهة المباشرة أو الحريق الكبير الذى يطال الجميع.

إن المطلوب لتلافى هذا الوضع الخطير «التفكير خارج الصندوق» استنادا إلى تجارب دولية ناجحة حصلت فى ظروف مشابهة بعض الشىء لما تعيشه المنطقة.

المطلوب الابتعاد عن لعبة المصالحات التقليدية التى تكون بمثابة هدنة تستند إلى لحظة توازن قوى معينة. هدنة تبقى ضرورية ولكنها لا تتناول المسببات العديدة والعميقة وراء عدم الاستقرار والحروب المختلفة فى منطقة لها قابلية خاصة لذلك بسبب ظروفها المجتمعية والاستراتيجية الراهنة.

المطلوب مبادرة تنطلق بالطبع من ضوء أخضر لقوى عربية أساسية حتى تستطيع أن تجد طريقها إلى التطبيق لاحقا. مبادرة يمكن وصفها «بالمسار الثانى»: مسار تفاوضى غير رسمى يقوم على مشاركة شخصيات قريبة لمواقع القرار فى دولها للولوج فى حوار حول استكشاف وبلورة قواعد وأسس وأعراف لسلوكيات الدول فى المنطقة. قواعد تقوم على ما يعرف «بمنطق وستفاليا» (نسبة إلى اتفاقية وستفاليا الأوروبية عام 1648) التى تقوم على تكريس منطق الدولة وإسقاط منطق التدخل تحت عناوين أخرى. منطق يقوم على احترام الاختلاف وإدارته والبناء على المشترك. ويهدف ذلك إلى إقامة نظام إقليمى دولتى على قاعدة المبادئ المتفق عليها وليس الاستمرار فى نظام فوضى إقليمية قائم على التدخل فى شئون الآخر باسم ايديولوجيات كبرى تخدم مصالح القوى الحاملة لهذه الايديولوجيات. إن التوصل فى المسار الثانى إلى بلورة قواعد من هذا النوع يسمح لتأسيس منظمة أمن وتعاون تضمّ الدول العربية وإيران وتركيا لا تشكل بديلا عن المنظمات القائمة بل داعمة لها. نظام يشبه «مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى» الذى ولد عام 1975 والمعروف بمؤتمر هلسنكى والذى جمع الدول المتخاصمة من شرقية وغربية بعيدا عن منطق الحروب الايديولوجية.

المطلوب مبادرة عربية فكرية سياسية لإطلاق هذا المسار الثانى الذى يجب أن يضم أيضا وبالطبع شخصيات إيرانية وتركية إلى جانب شخصيات عربية: إنه مدخل أكثر من ضرورى رغم التحديات الكبيرة والعديدة أمامه للولوج إلى عملية بناء نظام إقليمى طبيعى فى المنطقة لمصلحة جميع دولها.

ملاحظة: كاتب هذه السطور دعا فى مقالة مشتركة منذ خمس سنوات مع كاتب إيرانى هو السيد حسين موسفيان إلى إنشاء مؤتمر للأمن والتعاون فى الشرق الأوسط (صحيفة الشرق الأوسط 10 يونيو 2014).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved