الشركات الأمريكية فوق القانون

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 15 يوليه 2021 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جوزيف استيجلتز وجيوفرى هيل تناولا فيه ما ترتكبه الشركات الأمريكية من انتهاكات لحقوق الإنسان خارج أراضى الولايات المتحدة، مثل عمالة الأطفال، وتهربها من المسئولية.. نعرض منه ما يلى.
زعم آدم سميث، مؤسس علم الاقتصاد الحديث، أن السعى وراء المصالح الخاصة ــ الأرباح ــ سيظل يعمل دوما على تعزيز الصالح العام. ربما يكون هذا صادقا فى بعض المواقف، ولكن من الواضح أن هذه ليست الحال دائما. فكما أدى سعى البنوك وراء تحقيق الأرباح إلى اندلاع أزمة 2008 المالية، كان جشع شركة Purdue وغيرها من شركات الأدوية السبب وراء أزمة المواد الأفيونية، وكان دعم شركة Texaco لنظام فرانكو هو الذى ساعد الفاشيين على الانتصار فى الحرب الأهلية الإسبانية.
قد تمتد هذه السلسلة من الخيانة والغدر إلى ما لا نهاية بسهولة. لكن بين أسوأ الانتهاكات التى ترتكبها الشركات الجشعة اليوم استرقاق الأطفال. قد لا يدرى عشاق الشوكولاتة فى مختلف أنحاء العالم بهذا، لكن بعض ملذاتهم أنتجها عبيد أطفال.
تجنبت Nestlé، وCargill، وغيرهما من شركات الأغذية التى تواجه مثل هذه المزاعم الرد عليها فى جلسات علنية. تقع المقار الرئيسية لمثل هذه الشركات ومقار الشركات التابعة لها فى الولايات المتحدة، ولهذا كان بوسعها أن تزعم أنها غير مسئولة عن جرائم تُـرتـكـب فى أفريقيا النائية. تفعل هذه الشركات ذلك وهى على علم تام بعدم وجود نظام قانونى فَـعّـال فى البلدان حيث يجرى استغلال الأطفال.
علاوة على ذلك، حتى لو صدر حكم قضائى ضد هذه الشركات فى الخارج، فإنها لن تدفع سوى القليل. وسوف تقوم ببساطة بنقل عملياتها إلى أماكن أخرى، وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على بلد فقير صغير تنفيذ أى حكم يصدر.
•••
كانت كل هذه المسائل قيد النظر فى قضية نظرتها المحكمة العليا فى الولايات المتحدة هذا العام. فى قضية Nestle USA, Inc. v. John Doe I, et al./ Cargill, Inc. v. John Doe I, et al.، أصدرت المحكمة حكما ضد ستة ماليين كانوا يسعون إلى الحصول على تعويض من شركتى Nestlé وCargill عن معاناتهم كعبيد أطفال سابقين. بدلا من الحكم وفقا لحيثيات القضية، أصدرت المحكمة قرارا بأغلبية 8 إلى 1 بشأن المسألة القانونية الأضيق حول ما إذا كان من الممكن تحميل شركة أمريكية المسئولية عن أضرار لحقت بآخرين فى الخارج. ورأت المحكمة أن قانون مطالبات الأجانب الأمريكى لا يمكن تطبيقه «خارج الحدود الإقليمية» لأن هذا يرقى إلى تمديد قانون أمريكى إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، تعمل الولايات المتحدة خارج حدودها الإقليمية طوال الوقت، كما يحدث عندما تعاقب الشركات الأجنبية على انتهاكها العقوبات التى تفرضها على إيران. كان الفارق فى هذه الحالة أن شركات أمريكية (أو شركات تعمل نيابة عنها) هى التى كان المطلوب محاسبتها. وبالحكم لصالحها، تجنبت المحكمة مسألة كيف يمكن محاسبة الشركات التى تمارس سلوكا غير قانونى فى الخارج. فى أى محكمة قد تُـحاكَـم إذن إن لم يكن فى محكمة أمريكية؟
فى غياب أى مساءلة، يصبح الحافز الذى قد يدفع الشركات الأمريكية إلى تغيير سلوكها فى الخارج ضئيلا. وإذا كان بوسعها وضع الشوكولاتة المفضلة لدينا على أرفف المتاجر بسعر أقل من خلال استخدام موردين يستغلون عمالة الأطفال، فسوف يتشبث أولئك الذين يفتقرون إلى أى واعز أخلاقى أو وخز ضمير ــ وهى الفئة التى تشمل بوضوح هذه الشركات ــ بمنطق المنافسة فى السوق.
من سيحمى الأطفال إذن؟ على المحك فى هذه القضية كانت واحدة من قيم أمريكا الجوهرية: حقوق الإنسان. مما يصب فى مصلحة أمريكا بوضوح أن تُـظـهِـر لبقية العالم أن شركاتها تلتزم بقيمها، وخاصة فى وقت حيث أصبحت وحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقى فى دائرة الضوء فى وسائل الإعلام الدولية.
•••
بالاشتراك مع منظمة أوكسفام الخيرية، قدمنا موجزا على سبيل النصح إلى المحكمة العليا حيث زعمنا أنه من مصلحة أمريكا الاقتصادية تحميل الشركات الأمريكية المسئولية عن أى سلوك غير مشروع أينما ارتُـكِـب. ونحن نعتقد أن المسئولية الاجتماعية التى تتحملها الشركات تؤتى ثمارها فى الأمد البعيد ــ لصالح المستهلكين والشركات على حد سواء ــ فى البلدان التى تصر على فرضها.
فى نهاية المطاف، تستطيع البلدان والشركات التى تتمتع بسمعة طيبة اجتذاب المزيد من رأس المال والعاملين الأكثر مهارة مقارنة بالشركات الأقل تمسكا بالأخلاق، وسوف تجتذب منتجاتها جيلا متزايد الوعى من المستهلكين. الواقع أن العاملين الأكثر شبابا حساسون بشكل خاص لما يفعله أصحاب العمل وما يمثلونه. لهذا السبب اتخذت شركات عديدة موقفا ضد قوانين قمع الناخبين وتبنت أهدافا لتقليل انبعاثات غازات الانحباس الحرارى الكوكبى.
لكن عددا كبيرا من الشركات لا تزال مدفوعة بالأرباح القصيرة الأجل. بينما كان محامو شركتى Nestlé وCargill يبذلون قصارى جهدهم لتجنيبهما المساءلة، أصدرت كل من الشركتين بيانات نموذجية تدين استرقاق الأطفال. ولكن إذا كان هذا موقف الشركتين، فلماذا لا تريدان عرض قضيتهما فى المحكمة؟ من المؤكد أن محاميى الشركتين الذين يتقاضون أتعابا مجزية أكثر حنكة وتمرسا من ممثلى المدعين من مالى. وإذا خسرت الشركتان أى قضية فلن يكون ذلك بسبب افتقارهما إلى المشورة القانونية الوافية.
كيف يتسنى لنا أن نتأكد من أن الشركات لا تفعل فى الخارج ما لن تحاول فعله فى الداخل أبدا؟ فرضت العولمة هذا السؤال على الأجندة حيث عملت الشركات الغربية على توسيع اعتمادها على البلدان الفقيرة حيث الأطر القانونية محدودة للغاية. ليست القضية الإعفاء من العقوبة لأن الجناة يعملون خارج الولاية القضائية. الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق هو أن نعمل على إنهاء هذا السباق إلى الحضيض. ينبغى للولايات المتحدة أن تطمئن العالم إلى أنها وشركاتها ملتزمة باللياقة والأخلاق، دون أى معايير مزدوجة.
فى غضون ذلك، يجب محاكمة شركتى Nestlé وCargill، وغيرهما من الشركات التى يُـزعَـم أنها متورطة فى انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات البيئية فى الخارج أمام محكمة الرأى العام. والحق أن الجهود الدءوبة التى تبذلها مثل هذه الشركات للتهرب من المساءلة عن أفعالها تنبئنا بالكثير.
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved