لماذا تستحق مصر نموذجا اقتصاديا جديدا؟

حسين شكري
حسين شكري

آخر تحديث: الثلاثاء 15 يوليه 2025 - 8:54 م بتوقيت القاهرة

عدت إلى العمل فى مصر بعد رحلة عمل فى الخارج امتدّت ١٧عامًا قضيت معظمها فى نيويورك أعمل فى بنك الاستثمار، المعروف مورجان ستانلى. جاءت عودتى، بعد وقت قليل، عقب توقيع الحكومة المصرية برئاسة الدكتور عاطف صدقى اتفاقًا مع صندوق النقد الدولى عام ١٩٩١ - بعد الاتفاقيتين اللتين تم توقيعهما فى عامى 1977 و1987 - لتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى كانت ملامحه الرئيسية لا تختلف كثيرًا عما يطلبه الآن مثل تمكين القطاع الخاص، تنفيذ برنامج لخصخصة شركات القطاع العام ( قطاع الأعمال لاحقًا)، تخفيض الدعم، اتباع سياسة نقدية مرنة وتحرير سعر الصرف، وبالفعل تم تخفيض الجنيه أمام الدولار إلى ٣,٤٠ - كان سعره وقتها فى البنك ٢ جنيه/دولار و٣ جنيهات/دولار فى السوق الموازية - ثم تخفيضه تدريجيًا بتعويم نسبى إلى سعر ٤,٥ جنيه للدولار عام ٢٠٠٠. توالت الاتفاقات مع الصندوق فى أعوام 2016 و2020 و2022 فى إطار تنفيذ برامج لإصلاح الاقتصاد المصرى وأصبحت مصر ثانى أكبر مقترض فى العالم من الصندوق بعد الأرجنتين، وإن ظلت توصيات الصندوق تقريبًا واحدةً فى هذه الاتفاقات، أهمها تمكين القطاع الخاص من العملية الإنتاجية، تشجيع الصادرات، زيادة وتشجيع الاستثمارات المباشرة المحلية والأجنبية وتقليص عجز الموازنة العامة والحساب الجارى، تخفيض الدين العام الداخلى والخارجى، اتباع سياسة نقدية مرنة تستهدف التضخم، وليس سعر الصرف الذى يبلغ الآن ٥٠ جنيهًا للدولار.

ومن البديهى أن يسأل قارئ هذا المقال لماذا احتاجت مصر كل هذه الاتفاقات مع الصندوق ولماذا ما زالت تطبق برنامجًا للإصلاح الاقتصادى بعد كل هذه السنين؟

دأبت مصر على تنفيذ أجزاء من هذه البرامج - التى هى فى واقع الحال فى صالح مصر- وليس كلها، ربما نتيجة عدم الاقتناع بجدوى هذه السياسات أو لتكلفتها الاجتماعية على محدودى الدخل.

ولذلك تعود بعد فترة من التعافى لتطبق نفس السياسات المالية والنقدية التى سببت لها المشاكل مرارًا وتكرارًا، مثل تثبيت سعر الصرف الذى ينتج عنه وجود نقص فى العملة الأجنبية وسعر صرف موازٍ خارج الجهاز المصرفى، العجز الزائد فى الموازنة العامة، التوسع فى الإصدار النقدى، العجز فى الحساب الجارى، تضخم فى الدين العام الداخلى والخارج.

طرأ بعض التحسن مؤخرًا حيث تمكن البنك المركزى بعد عدة سنوات بقيادة محافظه القدير أن يطبق ببراعة سياسة نقدية سليمة ومرنة أسفرت عن توحيد سعر الصرف وتكوين احتياطى للنقد الأجنبى يقترب من ٥٠ مليار دولار الذى أصبح متوفرًا فى الجهاز المصرفى. كذلك هناك بعض التحسن فى الصادرات غير البترولية، وإن كان لا يزال الطريق طويلًا، لنصل الى حجم الصادرات المستهدف الذى أعلنته الحكومة، وهو ١٠٠ مليار دولار.

ماذا يتبقى لنا عمله للانتهاء من الإصلاح الاقتصادى؟

أولًا: السيطرة على الدين العام الداخلى عن طريق الاستمرار فى محاربة التضخم حتى يتمكن البنك المركزى من تخفيض سعر الفائدة، وبالتالى تخفيض عبء خدمة الدين، ضبط الإنفاق العام وتقليص العجز فى الموازنة العامة.

ثانيًا: الحد من الاقتراض الخارجى إلا فى الحالات القصوى وهيكلة الدين الخارجى بإصدارات ذات استحقاقات أطول.

ثالثًا: تشجيع الصادرات غير البترولية، والنمو الذى طرًا على صادرات الحاصلات الزراعية خير دليل أنه يمكن أن نتوسع فى ذلك عن طريق تبسيط الإجراءات ومحاربة الروتين، وضع سياسة صناعية واضحة تستهدف مساعدة الصناعات التى تملك مصر فيها ميزة نسبية، وتتضمن مكونًا محليًا مرتفعًا.

رابعًا: خروج الدولة من العملية الإنتاجية تمامًا من خلال شركاتها المختلفة، فمزاحمة الدولة للقطاع الخاص أكبر معوق لجذب الاستثمارات الخارجية، فقد استقبلت مصر 46 مليار دولار صافى استثمارات أجنبية مباشرة فى العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، والتى تمثل 8.8٪؜ من حجم الناتج القومى (إذا ما استبعدنا الاستثمار المباشر فى مشروع رأس الحكمة)، وهذه النسبة ضئيلة جدًا لا تتناسب مع حجم مصر وعدد سكانها. (بلغت هذه النسبة 3.1% فى العام المالى 2022/2023 و2.1% فى 2021/2022 و1.2% فى 2020/2021).

فالمهم هنا أن نعمل على خلق بيئة استثمارية جاذبة تشجع على الاستثمار، وفى هذا الصدد أثنى على مبادرة وزير الاستثمار المهندس حسن الخطيب فى توحيد الرسوم والضرائب التى يدفعها المستثمر وتحصيلها من خلال جهة حكومية واحدة.

وفى إطار تحسين بيئة الاستثمار أنصح أن يتم اختصار الوقت الذى يتطلبه الحصول على الموافقات الأمنية لكل استثمار أجنبى يدخل مصر، والذى يستغرق فى الوقت الحالى شهورًا قد تصل إلى عام.

إن كل دولار يأتى الى مصر فى شكل استثمار أجنبى مباشر يُعادل دولارًا أقل فى ما يجب ان نقترضه من الخارج وينطبق نفس الشىء على حصيلة الصادرات، فهما الذراعان اللذان يجب أن نعمل على تنميتهما لتخفيض الدين الخارجى، الأمر الذى يدعم أمننا القومى، ويمكننا من الانتهاء من عملية الإصلاح الاقتصادى التى ما زالت مستمرة بعد أكثر من ٣٥ عامًا، لينطلق الاقتصاد المصرى لآفاق أعلى يستحقها ويحقق الرخاء للمواطن المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved