إنت واقف هنا ليه؟

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: الأحد 15 أغسطس 2010 - 1:01 م بتوقيت القاهرة

 أعتقد أن الحركة الاحتجاجية التى تولدت عقب مقتل الشاب السكندرى خالد سعيد تعذيبا على يد أفراد الشرطة سيؤرخ لها كنقطة تحول فى حركة حقوق الإنسان والنشاط السياسى بشكل عام ليس فقط لتحولها إلى حركة جماهيرية واسعة وإنما لأنها ابتدعت أساليب جديدة خاصة بها على رأسها الوقفات الصامتة بالملابس السوداء والتى أدت فى رأيى إلى إرباك فى قواعد لعبة القهر والمقاومة.

فضل كبير فى بلورة الحركة وتطوير أدواتها يعود بالطبع إلى القائمين على صفحتى الفيس بوك «كلنا خالد سعيد» (اقترب عدد المشتركين فيها من ربع المليون) و«أنا اسمى خالد سعيد» (تجاوز عدد المشتركين ربع المليون) الذين استطاعوا البناء على الجهد الدءوب والتراكمى لنشطاء حقوق الإنسان على مدى سنين ليحولوا قضية خالد سعيد إلى حركة واسعة ضد التعذيب وضد حالة الطوارئ.

ومن أهم إسهامات هاتين المجموعتين هى فتح مجالات جديدة لأشكال الاحتجاج والتى لاقت جاذبية شديدة لدى قطاعات كبيرة فى المجتمع خاصة الشباب، وأبرز هذه الأشكال هى الوقفات الصامتة بالملابس السوداء وعددها حتى الآن أربع وقفات كان آخرها الجمعة 23 يوليو. ومن القواعد الرئيسة للوقفات وغيرها من الأنشطة التى يتم تداولها والتخطيط لها ألا تشمل أى تصرفات استفزازية أو مخالفة للقانون.

وضعت الوقفات الصامتة الشرطة أمام تحدٍ كبير وكان التحدى بالأساس ذا طبيعة عملية نظرا لعدم وجود نقطة تجمع مركزية ولاتساع نطاق الوقفات وتفرقها فى شتى أنحاء الجمهورية. أما العقبة القانونية المتمثلة فى عدم وجود نص قانونى ولا حتى فى قانون الطوارئ يمنع المواطن من ارتداء ملابس سوداء والوقوف صامتا أمام النيل أو البحر فقد لجأت الشرطة إلى استلهام روح قانون الطوارئ حيث السلطة بلا محاسبة والمواطن بلا حقوق.

لجأت الشرطة فى أحيان إلى البطش بالطرق التقليدية كالضرب والاعتقال خاصة فى الوقفة الثالثة يوم 9 يوليو، لكن فى أغلب الحالات فإن محاولة منع الناس من المشاركة فى الوقفة طرقت أنواعا جديدة من الممنوعات فكان يقال للمشاركين «ممنوع الوقوف على الكورنيش» أو يتم توقيفهم وسؤالهم «انت لابس إسود ليه؟» من ناحية، فإن بساطة الفكرة وتبنيها أسلوبا للاحتجاج لا يعتمد المواجهة والتصدى قد دفع بالطرف الآخر إلى أرضية غير مألوفة بالنسبة للأمن المتمرس فقط فى أساليب البطش التقليدية. على أنه من ناحية أخرى فإن أساليب المنع التى لجأت إليها الشرطة لم تكن فقط انتهاكا للحق السياسى فى الاحتجاج السلمى وإنما امتدت لتطال حقوقا شخصية بحتة مثل حق المواطن أن يقف على الكورنيش أو أن يختار لون ملابسه.

وفى هذا الإطار وبعيدا عن خالد سعيد فقد نشرت جريدة «الشروق» فى عددها الصادر فى 27 يوليو 2010 خبرا بعنوان: «عشاق كوبرى قصر النيل فى حراسة الأمن والأسود الأربعة» حول تكرار حالات محاولة الانتحار من فوق الكوبرى. ومما ورد بالخبر أن «التعليمات الأمنية الجديدة شددت على عدم ترك أى شخص يقف بمفرده لفترة طويلة أعلى الكوبرى، حيث رصدت التحريات أن كل من أقدموا على الانتحار من أعلى الكوبرى حضروا إليه بمفردهم».

حالة القمع التى نعيشها لا تقتصر فقط على الحريات السياسية وإنما تشمل أيضا الحريات والحقوق الشخصية، وهاهى أصغر هذه الحقوق وأكثرها براءة ــ شم الهواء على كوبرى قصر النيل ــ مهددة بدعوى حمايتنا من الانتحار! وبذلك نكون قد وصلنا إلى مرحلة سيريالية من القهر فيها ما فيها من الكوميديا السوداء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved