واشنطن صبيحة فض الاعتصامات

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 15 أغسطس 2014 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

كانت واشنطن شبه خالية من كبار المسئولين الذين يقضون إجازاتهم الصيفية على الشواطئ الممتدة على سواحل المحيطين الهادى والأطلنطى. وبمجرد ورود أخبار فض اعتصامات ميدانى رابعة العدوية والنهضة، والتأكد من وقوع ضحايا بأعداد كبيرة، قطع الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، أجازته العائلة التى كان يقضيها على شواطئ جزيرة مارتا فينيارد بولاية ماساتشوسيتس ليعقد اجتماعا عاجلا مع فريقه للأمن القومى. وأصدر بيانا صباح اليوم التالى قرر فيه إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والولايات المتحدة «النجم الساطع»، والتى تعد أحد أهم مظاهر التعاون العسكرى بين البلدين، وكانت مقررة بين القوات الأمريكية والجيش المصرى بعد شهر من هذه الأحداث. كما ذكر أوباما أن التعاون التقليدى مع مصر لا يمكن أن يستمر كما كان «وهناك من يقتلون فى الشوارع»، وأن الولايات المتحدة سوف تتخذ خطوات أخرى غير إلغاء المناورات العسكرية فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر، وذلك على الرغم من تأكيده أهمية الشراكة مع مصر، واعتبارات مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة التى تفرض عليها الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الدولة المصرية.

وقبل فض الاعتصامات، وخلال أسابيع صيف 2013 عقب تدخل الجيش لإزاحة الرئيس محمد مرسى، اعتمدت واشنطن على استراتيجية تركز على شقين. الأول يتعلق بضرورة عدم انفراد القوات المسلحة بإدارة المرحلة الانتقالية، وضرورة وجود وجوه سياسية مدنية لها شعبية ومصداقية، وهو ما يسهل من مهمة واشنطن فى عدم تسمية ما حدث «انقلاب». والثانى ضرورة عدم اتباع أى أساليب قمعية مع كبار قادة الإخوان المسلمين، يصاحبه ضغط على الجماعة لتقبل بالواقع الجديد، وأن تكون جزءا من العملية السياسية الجديدة التى يديرها الجيش.

•••

وقبل فض الاعتصامات، وبسبب تركز العلاقات المصرية الأمريكية فى جوهرها على معادلة «مساعدات مقابل تعاون» تم نقل ملف أزمة مصر إلى أيادى وزير الدفاع تشاك هاجل. وقام وزير الدفاع الأمريكى بمهاتفة الفريق السيسى أكثر من 17 مرة قبل فض الاعتصامات. وحاول البيت الأبيض جاهدا أن يجد حلا مقبولا من طرفى الصراع، الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، للخروج من الأزمة المصرية. وتحدث الرئيس باراك أوباما تليفونيا مع ولى عهد أبو ظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان صاحب العلاقات الواسعة والنفوذ الكبير فى الجيش المصرى، وتحدث أيضا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، الذى له علاقات ونفوذ وسط جماعة الإخوان المسلمين لحل هذه الأزمة.

ثم باركت واشنطن عمليات وساطة من قبل وزراء خارجية قطر والإمارات، وانضم لجهود الوساطة نائب وزير الخارجية الأمريكية وليام بيرنز ومسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى ليدى كاثرين آشتون. كما مثلت مشاركة نائب الرئيس المصرى للتعاون الدولى، محمد البرادعى، عنصر طمأنة لواشنطن التى عولت عليه كممثل جاد للحكومة المصرية فى سعيها للتوصل لمصالحة من نوع ما. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز بعد ثلاثة أيام من فض اعتصامات الميادين تقرير يفصل لجهود الوساطة ومحاولات الأطراف الدولية الخروج من نفق العنف قبل وقوع مئات القتلى. وأشار التقرير إلى أن الجهود الأمريكية والأوروبية قد قودتها الحكومة المؤقتة فى مصر، وبعدما شعر دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون أنهم على وشك انجاز المهمة. وذكرت الصحيفة أنه فى الوقت الذى كان فيه الألاف من الإسلاميين المساندين للرئيس محمد مرسى يحضرون أنفسهم لصد الهجوم، أخبرهم دبلوماسى أوروبى ( بيرنارد يينو ليون) أن هناك شواهد من الرئاسة المصرية أنه خلال ساعات سوف يتم الإفراج عن اثنين من قادة الإخوان، وبالمقابل وافق الإسلاميون على تقليص حجم الاعتصامين، ولكن مرت ساعة ولم يحدث شىء ثم مرت ساعة أخرى ولم يتم الإفراج عن أحد. وطبقا لنيويورك تايمز دل ذلك على عدم وجود رغبة لدى الجيش المصرى للتوصل لأى حلول وسط مع جماعة الإخوان المسلمين، وتبنيه فقط خيار الحل الأمنى. وفى صباح اليوم التالى أصدرت الحكومة المصرية بيانا تعلن فيه أنه قد تم استنفاد كل الجهود الدبلوماسية، وألقت باللوم على الإسلاميين فى أى خسائر فى الأرواح تقع فى الهجوم المنتظر. وبعد خمسة أيام وقع الهجوم الذى نتج عنه مقتل عدة مئات وإصابة الآلاف طبقا للأرقام الرسمية، وفى منتصف اليوم قدم البرادعى استقالته.

•••

بينما تناقلت شاشات الفضائيات صور حية لفض الاعتصامات، اتصل وزير الدفاع الأمريكى بالفريق السيسى، محذرا إياه بأنه قد وضع عنصرا مهما من علاقة مصر وأمريكا العسكرية فى خطر، وهو ما كرره وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لنظيره المصرى حينذاك نبيل فهمى. إلا أن الإدارة الأمريكية ادركت بوضوح ضعف تأثير المساعدات فى منظومة علاقاتها مع مصر، من هنا جاء اعتراف أوباما خلال حواره مع شبكة سى إن إن يوم 23 أغسطس، وقوله إن المساعدات لمصر لن تغير ما قامت وتقوم به الحكومة المؤقتة». إلا أن أهم ما ذكره أوباما قوله: «إن العلاقات لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث»، وطالب بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة. وفى التاسع من أكتوبر، أعلنت جين ساكى المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية تجميد مبيعات السلاح وقطع الغيار العسكرية لمصر، والبدء فى مراجعة شاملة للعلاقات مع القاهرة. إلا أن إدارة أوباما لم يكن أمامها إلا قبول واقع مصرى جديد، وباركت واشنطن خطوات خارطة الطريق بداية بالدستور المصرى الجديد، ثم خرج بيان البيت الأبيض تعليقا على إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وفيه أن «الولايات المتحدة تتطلع إلى العمل مع عبدالفتاح السيسى الفائر بالانتخابات الرئاسية فى مصر من أجل دفع شراكتنا الاستراتيجية والمصالح العديدة المشتركة بين البلدين»، ليؤكد من جديد أساس العلاقات الاستراتيجية الأمنية بين الدولتين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved