آليات إدارة الدين العام المصرى فى ظل التحديات العالمية

محسن عادل
محسن عادل

آخر تحديث: الخميس 15 أغسطس 2019 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

أظهرت بيانات حديثة من البنك الدولى ارتفاع الدين الخارجى لمصر إلى 106.2 مليار دولار بنهاية مارس الماضى مقابل 96.6 مليار دولار بنهاية 2018، بزيادة 9.6 مليار دولار خلال 3 شهور وخلال الاثنى عشر شهرًا المنتهية فى مارس 2019 ارتفع الدين الخارجى لمصر 20.4%، حيث زاد نحو 18.1 مليار دولار عن مستوياته فى مارس 2018 حينما سجل 88.2 مليار دولار واستحوذت القروض على الحصة الأكبر من الدين الخارجى لمصر بنحو 60.7 مليار دولار، يليها الودائع بنحو 21.46 مليار دولار، وأوراق الدين بنحو 18.3 مليار دولار، وتسهيلات الموردين نحو 4.6 مليار دولار، وحقوق السحب الخاصة 1.247 مليار دولار ولا تشمل أرقام الدين الخارجى استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى البالغة 19.5 مليار دولار.
لقد ارتفعت مستويات الديون العالمية بشكل ملحوظ من عام 1982 حتى 2007 حينما وقعت الأزمة المالية، وثار القلق فى الأسواق بخصوص مدى قدرة المقترضين على سداد الديون التى تسببت فى أكبر مشكلة اقتصادية منذ ثلاثينيات القرن الماضى وحاول مقترضون، لا سيما من القطاع الخاص، وضع حلول لمعالجة هذه المشكلة التى تتزايد خطورتها بمرور الوقت إلا أن الموقف المصرى يختلف فى ظل أن هيكل الدين العام أغلبه بالجنيه المصرى وليس بالعملات الاجنبية.
بنك الاستثمار العالمى مورجان ستانلى أشار فى تقرير له حول الاقتصاد المصرى إلى أن مصر قصة إصلاح اقتصادى عظيمة فى عيون الأسواق العالمية مع الاشارة إلى التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصرى الذى تجاوز مرحلة الإصلاح المالى، ما يتيح مساحة أكبر لدعم وتحسين تنافسية القطاع الخاص، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مؤكدا على اعتقاده أن مصر فى طريقها لانطلاقة أكبر.
ومن هذا المنطلق فإن المشهد الاقتصادى المصرى الحالى لا يحتمل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول، فالتضخم ما زال مدفوعا بشكل أساسى بالتكلفة وليس بارتفاع الطلب على السلع والخدمات أو ارتفاع الدخول المتاحة للإنفاق، وبالتالى تبقى قدرة أسعار الفائدة المرتفعة على تحجيم هذا النوع من التضخم محدودة، ولا بد من إعادة النظر فى أسعار الفائدة، كما أن ذلك يأتى فى ظل تحسين مناخ الاستثمار المستهدف من الحكومة المصرية بالاعتماد على تكنولوجيا المعلومات فى تهيئة بيئة عمل محفزة وخلق منظومة متكاملة من عدة حلول ومزايا، تهدف إلى الإسراع بتنمية القطاع وتمكينه وتسهيل إجراءاته الحكومية وتشجيعه على الاستثمار على جميع مراحل تطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بدءا من نشأة فكرة المشروع، مرورا بمرحلة البدء فى المشروع ثم تعظيم فرص نجاحه، والعمل على تذليل العقبات التى تواجه المشروعات المتعثرة فى قطاع الأعمال بالإضافة إلى التشجيع على الدخول فى القطاع الاقتصادى الرسمى.
فى ظل التطورات التى تشهدها أساليب إدارة الدين العام المتنامى فى مصر فإنه يجب الانتباه إلى أن حجم الدين المحلى وأعباء خدمته يمثل تحديا كبيرا مقارنة بالدين الخارجى، والذى يمثل نسبة أقل من الناتج المحلى الاجمالى مقارنة بمتوسط منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن التحكم فى حجم الدين دون التعرض لعجز الموازنة المزمن الذى عانت منه مصر على مر أعوام بينما يمكننا محاولة تخفيض أعباء خدمة الدين عن طريق الإدارة الرشيدة لمحفظة الدين الحكومى.
هناك ضرورة التوجه إلى اعتماد (صكوك التمويل) فى الوقت الحالى سواء على المستوى الحكومى مما سيجذب استثمارات عربية خليجية للدخول فى سوق الدين بما يرفع من الحصيلة الدولارية من جانب ويخفف العبء عن البنوك المحلية من جانب آخر ويرفع من مساحة البدائل التمويلية المتاحة، فهناك ضرورة للاستفادة من هذه الأداة فى إطار خطة الدولة نحو تطوير الأدوات المالية وتنويعها لزيادة قدرة الشركات والحكومة وغيرها من الجهات الاعتبارية المختلفة فى الحصول على التمويل، لما فى ذلك من أثر إيجابى على زيادة حجم الاستثمار والتشغيل فى الاقتصاد القومى، وعلى تمكين تلك الجهات من تنويع مصادر تمويلها، ولتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والشركات الراغبة فى تمويل أنشطتها ومشروعاتها أو التوسع فيها عن طريق الصكوك.
مثلت أدوات الدين المحلى نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفى، فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل، وهو الدور الرئيسى المعنى به البنوك كوسيط مالى لتوظيف ودائعها فى مشروعات تحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد، ونرى أنه لا بد من وضع حد أقصى للاستدانة الداخلية وحجم طروحات الأوراق المالية التى تنوى طرحها من إجمالى ودائع البنوك، وأن يكون لديها مؤشر يربط بين محفظة استثمارات البنوك فى أدوات الدين، وبين إجمالى الودائع المتوفرة لدى وحدات الجهاز المصرفى، إذا كانت تهدف فعليًّا لإنعاش الأسواق ومحاربة الركود الاقتصادى، وفى حال تطبيق ذلك سيكون على وزارة «المالية» تقليص حجم الطروحات لفترة زمنية؛ حتى تهبط بالمؤشر للحدود الآمنة التى تسمح لها باستئناف الاقتراض، وهو ما سيدفع البنوك حتمًا لبذل المزيد من الجهد للبحث عن قنوات بديلة لتوظيف ما لديها من سيولة وتوجيهها لقنواتها الصحيحة، عبر ضخها بسوق القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات وأصحاب المشروعات.
هناك اقتراحات بديلة مثل استبدال الديون بسندات شبيهة بالأسهم حيث تصدر حكومات سندات مرتبطة بالناتج المحلى الإجمالى على سبيل المثال فعندما يرتبط سداد الدين بالناتج المحلى الإجمالى الحقيقى، فإن الحكومات ستكون بمنأى عن ارتفاع نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى الذى يحدث أثناء فترات الركود، ويمكن أيضا إصدار سندات «لا تعوض» والتى تزيل مخاطر أزمة إعادة التمويل وتعد هذه الأفكار جيدة، ولكن يمكن تطبيقها فقط بالنسبة للسندات التى أصدِرت حديثا بعكس الالتزامات القديمة، وبالتالى، فإنها يمكن أن تجدى نفعا على المدى الطويل.
على الرغم من استمرار وزارة المالية فى زيادة السندات ذات الآجال المتوسطة فى مقابل أذون الخزانة ذات الآجال قصيرة الأجل وبناء منحنى عائد لإصدارات الحكومة، من خلال إصدارات منتظمة لآجال مرجعية (1.5، 3، 5، 7، 10 سنوات) وإعادة فتحها لخلق سيولة فى جانب المعروض من السندات؛ إلا أن نشاط السوق الثانوية لسندات الخزانة ما زال ضعيفا، وذلك حتى فى ظل زيادة المعروض من الإصدارات بالإضافة إلى تركز المستثمرين فى سندات الخزانة لهذا نرى ضرورة الإسراع بخطوة تفعيل سوق السندات الثانوية بالبورصة المصرية، حيث إن السوق ما زال ضعيفًا وغير عميق، وتستحوذ البنوك على كل تعاملاته، وذلك على عكس الأسواق الأخرى عالميا المتوافر بها أسواق ثانوية نشطة مما يسمح بتوفير تمويلات متوسطة وطويلة الاجل للشركات.
ويستدعى ذلك اتخاذ حزمة من الاجراءات المتكاملة لتعزيز قدرة السوق الثانوية لسندات الخزانة ومنها توسيع قاعدة المستثمرين، واستحداث آليات مثل بيع وإعادة شراء السندات، وتوحيد تسوية الأذون والسندات لتفعيل آليات تسليف الأوراق المالية الحكومية، والمحافظة على الإصدارات المنتظمة وخلق نقاط مرجعية فى كل من سوق الإصدار والتداول وكذلك توحيد نظام التسوية للأوراق المالية الحكومية لتعزيز سيولة السندات. حيث تساهم سيولة السوق الثانوية فى تخفيض تكلفة تلك الأوراق من خلال خفض عائد الإصدار. هذا بالإضافة إلى إعادة النظر فى نظام طرح العطاءات (Uniform vs. Competitive auctions) ونظام التداول بالسوق الثانوية.
محسن عادل – خبير اقتصادى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved