الشباب ومستقبل مصر

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الأحد 15 أغسطس 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

قفزت قضية شباب مصر على سطح اهتمامات الرأى العام والحكومة بصورة لافتة الأسبوع الماضى. طبعا يفترض أن يكون الشباب موضع الاهتمام طول الوقت، ولكن عادة أهل هذا البلد هو أن اهتماماتهم عرضية، لا تعكس رؤية واسعة للمستقبل، ولكن تمليها الأحداث، هكذا كان الدافع لصعود هذا الموضوع على جدول اهتمامات الرأى العام والحكومة هو أولا فوز ست من الشابات والشبان من بنات وأبناء الوطن بست ميداليات فى دورة طوكيو الأوليمبية، وهو أكبر عدد من الميداليات حصلت عليه مصر فى أى دورة أوليمبية، وكان الدافع ثانيا هو الاحتفال بيوم الشباب الدولى، والذى توجه فيه الرئيس بخطاب أشاد فيه بدور الشباب المصرى فى بناء الوطن.
طبعا ليس هناك ما يدعو للتعجب أن يهتم الرأى العام والحكومة بالشباب وبدوره فى مستقبل الوطن، فتولى الشباب المسئولية عن مصير مصر هو أمر محتوم بحكم الطبيعة، ومن المألوف أيضا أن يتطلع كل المواطنين والمواطنات إلى أن يكون الغد فى وطنهم أفضل من الحاضر، وأن يظهر حكامه ومحكوموه، والمسئولون فيه عن صنع القرار وتنفيذه فى جميع المجالات، وعلى كل المستويات، مديرين وفنيين، موظفين ورجال أعمال، عمالا وفلاحين، رجالا ونساء، مهارات أكبر وحكمة أعلى فى التصدى لمهام إدارة عجلة الإنتاج والخدمات فى العقود القادمة. وحتى يكون غد الوطن أفضل من حاضره فمن الضرورى أن يجرى إعداد أجيال الشباب على أفضل نحو يمكنهم أن يحققوا ما تطلعت له الأجيال الأكبر سنا ولم تنجح فى الوصول إليه، أو لم تصل له كما كانت تتمنى. ولذلك فالسؤال المهم هو عن مدى توافر الشروط التى تجعلنا نشعر بالطمأنينة على مستقبل الوطن فى العقود القادمة.
تتعدد الشروط الضرورية لمثل هذا الإعداد، وربما تتباين الآراء حولها وعلى ترتيبها، ولكن ربما يتفق الجميع على أن من أهمها تعليما جيدا، وفرص حياة كريمة تعزز من مفعول هذا التعليم، وشعورا بالفخر بالوطن وتمسكا بالعيش فيه، وقدرة على العمل المشترك بين أفراد الأجيال الشابة، فحتى الذين يؤمنون بدور الأبطال فى صنع التاريخ، لا يمكنهم أن ينكروا ضرورة العمل الجماعى فى جميع أنشطة الحياة الاجتماعية، فلا تنهض الزراعة أو الصناعة أو البحث العلمى، أو الخدمات التعليمية أو الصحية، ولا تتيسر إدارة المرافق من سكك حديد وشبكات الطاقة والمياه بدون عمل جماعى، فهل تتوافر لدينا هذه الشروط التى تجعلنا نثق فى أن أوضاع مصر مع هذه الأجيال الجديدة ستكون أفضل مما هى عليه اليوم؟
أوضاع شبابنا اليوم
فلنتفق أولا على أن التنبؤ بالمستقبل أمر صعب، تكتنفه صعوبات نظرية شديدة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بفترة تاريخية تتسارع فيها التطورات، وهى حبلى بأحداث غير متوقعة لا تترك أمرا مسلما به على حاله، مثلما أوضحته بجلاء جائحة كوفيدــ19، ولكننا يمكن أن نفترض أن المستقبل القريب هو امتداد لما نقوم به فى الوقت الحاضر، وباستثناء المعجزات التى يستحيل التنبؤ بها بحكم خروجها عن المألوف، فما نقوم به اليوم سوف يطرح بعض الآثار فى المستقبل، حتى وإن كان المستقبل ليس رهنا فقط بما نعده له.
فما هى شروط الاستعداد للمستقبل الذى سيقوده ويعمره شباب مصر من سن الثامنة عشرة وحتى التاسعة والعشرين وفقا لتعريف الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لهذه الشريحة؟
ويبلغ حجم هذه الشريحة خمس السكان تقريبا ووصل عددهم فى سنة 2018،الى 21 مليون شخص. ما هى أوضاع هؤلاء من حيث التعليم والعمل ومستويات المعيشة والاستقرار الأسرى؟
أكثر من ثلث هؤلاء تلقوا تعليما عاليا فى الجامعات والمعاهد العليا بنسبة تصل إلى ٣٤٪ وعدد أكبر يقترب من الخُمسين (٣٩٪) حصل على تعليم متوسط بينما ينقسم الباقون بين أميين (٩.٢٪) ومن لم يتجاوزوا الشهادة الابتدائية.
ويمثل هؤلاء خمسى قوة العمل، يشكل الذكور بينهم ٦٢٪ من إجمالى قوة العمل بينما لا تمثل الإناث فى هذه الشريحة العمرية أكثر من ١٦٪ من إجمالى هذه القوة، ولكن أكثر قليلا من نصف الشباب (٥٣٪) هم الذين يتمتعون بعمل دائم، وهم قرابة نصف العاملين من الذكور، كما ترتفع نسبة الإناث اللاتى يحصلن على وظائف دائمة إلى ٧٩٪ داخل هذه الشريحة.
ولكن ترتفع نسبة البطالة داخل هذه الشريحة لتصل إلى ١٧.٣٪ ذكورا وإناثا، وتتفاوت معدلات البطالة كثيرا بين الجنسين، فتقل إلى ١١٪ بين الذكور وترتفع إلى ٧٤٪ وسط الإناث الشابات. وتصل نسبة البطالة إلى أعلاها بين خريجى الجامعات، لتصيب أكثر من ثلثهم بينما تقل إلى ١٦٪ بين الحاصلين على مؤهلات متوسطة، وذلك مع استمرار التفاوت الكبير بين الذكور والإناث.
ولذلك فمع تردى أحوال العمل بين قطاع عريض من الشباب، فليس من المستغرب أن يكون ثلث الفقراء فى مصر هم من الشباب، بل وأن يكون عشر الفقراء من الحاصلين على شهادة جامعية. ارتفاع مستوى التعليم بين الشباب لا يضمن لا الحصول على عمل ولا التمتع بمستوى حياة تتوفر فيه الحاجات الأساسية.
ولا شك أن هذه الأوضاع تنعكس على الحياة الأسرية وإذا كانت لا تحول دون تكوين أسرة من خلال الزواج، فقد شهد عام ٢٠١٨ زواج ٦٠٪ من الذكور و٨٢٪ من الإناث داخل هذه الشريحة، ولكنه شهد أيضا حالات طلاق مر بها ٢١٪ من الذكور و٤١٪ من الإناث.
وهكذا فمن بين من سيتولون مسئولية الوطن فى المستقبل القريب ثلثان لم يحصلن على تعليم جامعى، ونسبة كبيرة لا تحصل على عمل دائم أو عقد عمل قانونى، وأكثر من سدسهم يعانى البطالة، وثلثهم تقريبا من الفقراء، ولم ينجح عدد غير صغير من بينهم فى تكوين أسر مستقرة، وتزداد هذه الأوضاع سوءا بين الشابات.
طبعا سوف نفترض أن دوافع الوطنية سوف تجعلهم يحبون مصر ولا يتأخرون فى العمل من أجل تقدمها، ولكن من الواقعى أن نتصور أن صعوبات التعليم والعمل اللائق والوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية سوف تدفع بعضهم إلى محاولة الهجرة من الوطن بحثا عن فرص حياة أيسر خارجه. وقد كشفت دراسة نشرتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن الشباب العربى فى دول المشرق وشمال أفريقيا أن ثلثين منهم يريدون الهجرة خارج أوطانهم، وأن الدول التى يحلمون بالهجرة إليها داخل الوطن العربى تضم الإمارات، وتشمل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا خارج الوطن العربى.
وأذكر فى هذا السياق ملاحظات شخصية يتعلق بعضها بما لمسته فى الجامعة بين شباب أعضاء هيئة التدريس شبانا وشابات، بعضهم يماطل فى العودة إلى مصر بعد انتهاء الدراسات فى الخارج، والبعض الآخر يعود سنوات قصار ثم يغادر لسنوات طويلة خارج الوطن، وتمتد هذه السنوات حتى بلوغ سن المعاش، وهو وضع مألوف فى العديد من الجامعات المصرية بما فى ذلك جامعة القاهرة التى أعمل فيها، والملاحظة الثانية هى ميل شباب الطبقة الوسطى العليا فى مصر إلى الانتظام فى الدراسة الجامعية فى الدول الأوروبية وخصوصا ألمانيا وفرنسا، وهؤلاء يحصلون بسهولة على عمل بعد تخرجهم وبتفوق فى الدول التى درسوا فيها ويبقون فيها ويكونون عائلاتهم هناك. ومما يحز فى نفسى أن الكثيرين منهم ممن عرفتهم من الطلبة المتفوقين وفى تخصصات نادرة فى مصر، ولا يجدون أى حافز قوى لمجرد التفكير فى العودة.
والواقع أن سبب عزوف هؤلاء عن العودة إلى الوطن ليس بالضرورة تدنى دخول أصحاب هذه التخصصات الأكاديمية بالمقارنة بمتطلبات الحياة اللائقة التى تكفل قيامهم بوظائفهم خير قيام. فقد كان كثيرون منهم على أتم الاستعداد للعودة إلى مصر فى أعقاب ثورة يناير ٢٠١١ والتى وعدت فى شهورها الأولى أن يصبح الوطن مختلفا عما ساد من فساد وتضييق على الحريات الأساسية فى عهد مبارك، وكان من بين شعارات الثورة: «ارفع راسك فوق أنت مصرى». تحطمت هذه الآمال فيما جرى بعد ذلك بشهور وسنوات، ولم يكونوا فى معظمهم من أنصار الإخوان المسلمين. لم تعد مصر هى التى كانوا يحلمون بها.
بطبيعة الحال لن يهاجر كل شباب مصر خارج الوطن، سيبقى أغلبهم فى وطنه، وليس بالضرورة عن عجز عن اكتشاف فرص عمل فى الخارج، وسيبقى منهم خريجو الجامعات والحاصلون على شهادات متوسطة، ومن تسربوا بعد المدرسة الابتدائية، وحشد كبير من الأميين. ولكن هل يمكن للأكثر تعليما من بينهم أن يملكوا القدر اللازم من الثقة والرغبة التلقائية فى التعاون ليعملوا معا. أخشى أن تطور أوضاع الاقتصاد والمجتمع والتعليم فى مصر قد باعد شباب مصر فى الحاضر وربما فى المستقبل إلى جزر متباعدة. هؤلاء الذين تعلموا فى مدارس الحكومة، والآخرون والأخريات ممن ذهبن إلى مدارس خاصة، وهؤلاء الذين انتظموا فى الجامعات العامة فى البرامج المتميزة، وغيرهم ممن ذهب إلى نفس الجامعات ولكن فى الأقسام العادية التى تدرس باللغة العربية، وهناك من ذهب إلى جامعات خاصة، أو جامعات خاصة أجنبية داخل الوطن، أضف إلى هؤلاء جميعا خريجى وخريجات جامعة الأزهر. الشواهد كثيرة على أن البعض من أسرهم وأسرهن لا يحبون أن يروا الآخرين أو أن يختلطوا بهم أو أن يعيشوا فى نفس الأحياء معهم، أو أن يتجاوروا معهم خلال شهور الصيف. هل تساعد هذه الأوضاع على بناء رأس المال الاجتماعى بين من سيقودون مصر فى جميع المجالات فى المستقبل القريب؟ وهل يسهم ذلك فى أن تكون مصر موطنا للسعادة المشتركة بين كل بناتها وأبنائها مثلما كان يحلم رفاعة رافع الطهطاوى؟
ناقوس إنذار
قد ترون أعزائى وعزيزاتى القراء ما كتبته متشائما، ولكن قصدت فقط أن أدق ناقوس إنذار، لعلنا نعد أجيالنا القادمة لكى يجعلوا معا مصر وطنا يفخرون جميعا به.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved