ساق البامبو.. دروس وعبر
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 15 أغسطس 2024 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
الدروس والعبر التى يغص بها دفتر الحياة والعمر تستحق التأمل والتدبر، بل والاستفادة والمحاكاة. ولعل التأنى والتروى فى إحداث التغيير وصنع النجاح من أهم وأروع تلك الدروس والعبر، ففى هذه الحياة المتسارعة بشكل لحظى وجنونى، كم نحن بحاجة ماسة وضرورية لفهم طبيعة التطور وحقيقة التغيير، بعيدًا عن التسرع الذى قد يؤدى للفشل أو التقليد المباشر الذى لا يصنع تفردًا حقيقيًا. نعم، الكل يبحث عن الربح والفوز والنجاح، الكل يبحث عن ذلك، وله كل الحق فى ذلك، ولكن الأمور لا تتم باستخدام أدوات وآليات السرعة والحماس فقط، ولكنها تحتاج للكثير من الصبر والتروى، تمامًا كما هو حال شجرة الخيزران.
تُعتبر شجرة الخيزران الصينية أو ما يُطلق عليها بساق البامبو، الشجرة الأكثر شهرة وإثارة على الإطلاق، فهى أشبه بسوق كبيرة ومتنوعة تجد فيها كل البضائع والحاجيات، فهناك الصيدلية والمطعم ومتجر الأثاث ومحل البناء ودكان الآلات الموسيقية وغيرها من المتاجر والمحلات. هذه الشجرة الغنية كانت أحد أهم مصادر صناعة الورق قديمًا، والغذاء الرئيس للباندا الدب الصينى الشهير الذى يُخاف عليه من الانقراض، وهى من أكثر الأشجار فائدة للبيئة لأن الشجرة الواحدة منها تُنتج من الأوكسجين أكثر من أى شجرة أخرى بنسبة تزيد على 35%، وهى أيضًا الشجرة الأكثر امتصاصًا للكربون بمعدل أربعة أضعاف بقية الشجر. وقد يبلغ طول شجرة الخيزران 30 مترًا، أى ما يُعادل بناية مكونة من عشرة طوابق، وهى شجرة معمرة تنتمى لعائلة (Poaceae) والتى تضم أكثر من 1400 نوع وأكثر من 115 جنسًا. ولشجرة الخيزران الصينية أنبوب طويل مزدحم بالعجائب والغرائب، ولكن طريقة نمو هذه الشجرة العجيبة هى الأكثر إثارة بين كل أنواع الأشجار فى العالم، فخلال الأعوام الخمسة الأولى وبعد أن تُغرس بذرتها فى الأرض لا تنمو على الإطلاق، ولا يظهر خلال كل هذه المدة الطويلة سوى برعم صغير جدًا يأخذ شكلًا ملتويًا ويُجاهد خلال كل هذه الأعوام الخمسة من أجل البقاء حيًا، ولكنه بعد ذلك لا يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من 30 مترًا دفعة واحدة. قد لا يُصدق البعض هذا ولكن ذلك يحدث بالفعل، فخلال أول ستين شهرًا تنمو جذور شجرة الخيزران أسفل التربة وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور تُشبه كثيرًا مترو الأنفاق فى لندن والذى أنشئ عام 1863 كأول مترو أنفاق فى العالم. وخلال الأيام التسعين التالية وبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة فى الأرض، تبدأ سيقان الخيزران فى رحلة مجنونة من النمو لتُعانق السماء، وقد يصل معدل نموها 100 سم فى اليوم الواحد، وهى بذلك تكون من أبطأ وأسرع النباتات نموًا ولكن على مرحلتين من عمرها.
هذه هى قصة شجرة الخيزران الصينية التى تُعلمنا الكثير من الدروس والعبر، لعل أهمها وأجملها أن الصبر هو الدرس الأول الذى يجب أن نُتقنه فى هذه الحياة، وأن النجاح لا يحدث هكذا بين عشية وضحاها ولكنه قد يحتاج لسنوات طويلة، تمامًا كما تُعلمنا هذه الشجرة الملهمة التى تستحق الإعجاب، بل والمحاكاة.
فاضل العمانى
جريدة الرياض السعودية