حلال فى الكرة حرام فى السياسة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 15 سبتمبر 2010 - 9:37 ص بتوقيت القاهرة

ثمة قلق مشهود فى الأوساط الرياضية المصرية على المنتخب الوطنى لكرة القدم، بعد تعادله مع فريق سيراليون، وفشله فى الحفاظ على هيبته كبطل للقارة الأفريقية. ولأن الموضوع مثار فى الصحف اليومية، فقد أتيح لى أن أتابع الآراء التى أبداها الخبراء فى تفسير ما وصف بأنه تراجع للفريق ينذر بفقدانه لمكانته. ولاحظت أن هناك إجماعا بينهم على أن المنتخب ومدربيه دخلوا مرحلة الشيخوخة، وأن الفريق أصبح يعتمد على عدد من اللاعبين الكبار الذين استهلكوا خلال السنوات الست الماضية، ومن ثم تراجع عطاؤهم ولم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بلياقتهم البدنية، الأمر الذى أدى إلى إحراجهم فى أكثر من مباراة. وهذه الشيخوخة كانت أيضا من نصيب المدربين واتحاد كرة القدم، والحل كما رأوه هو الشروع على الفور فى إحداث التغيير الذى يكفل إمداد المنتخب بعناصر جديدة تضخ فى عروقه دماء جديدة.

الشيخوخة لم تكن السبب الوحيد الذى طرح نفسه فى الحوار الدائر، لكنها ظلت السبب الأول الذى انعقد من حوله الإجماع، هناك أسباب أخرى على ألسنة الخبراء منها الوضع الاحتكارى الذى يمارسه فريقا الأهلى والزمالك فى الساحة الرياضية. ومنها طريقة اللعب التى باتت تحتاج إلى مراجعة وتعديل، وغير ذلك من الأسباب الفنية التى لم تساعدنى ثقافتى الكروية المتواضعة على استيعابها، إلا أن ما همنى فى الموضوع هو ذلك الإجماع على شيخوخة نجوم المنتخب، وذلك الانتقاد لسياسة مقاومة التغيير فى تكوين الفريق. والتردد فى تطعيمه بالعناصر الشابة والطاقات الجديدة.

وجدت الكلام ينطبق على الحالة السياسية فى مصر، بحيث إنك إذا رفعت اسم المنتخب القومى ووضعت بدلا منه لافتة النظام السياسى المصرى المشهور بأزهى العصور، لاستقام الكلام وبدت خلاصته منطقية تماما، مع اختلاف فى الدرجة وليس فى النوع، بمعنى أن مشكلة الشيخوخة ستظل واحدة فى المنتخب والنظام السياسى، إلا أن إرهاصاتها ظاهرة للعيان فى حالة المنتخب، وما زالت هناك إمكانية لحل المشكلة وإنقاذ الموقف، فى حين أن الحالة متأخرة فيما يتعلق بالنظام المصرى.

وإن كان هناك قلق من أن يفقد المنتخب مكانته بعدما أحرج أمام فريق سيراليون، إلا أن فقدان المكانة حدث بالفعل بالنسبة للدولة المصرية، على نحو بات يستدعى تغيير المنتخب السياسى و«مدربه»، وليس فقط تطعيمه بالعناصر الجديدة. فضلا عن أن بعض المراقبين يتحدثون عن دخول المنتخب الأخير فى مرحلة ما بعد الشيخوخة، ملمحين إلى ما يسمونه «الزهايمر» السياسى.

سبق لى أن تمنيت إخضاع اللعبة السياسية إلى قواعد وقوانين الفرق الرياضية، حيث ليس هناك لاعب، حتى وإن كان كابتن الفريق يظل مصرا على الاستمرار فى اللعب حتى آخر نفس. وليس هناك لاعب مهما بلغت نجوميته وعبقريته يمكن أن يورث مكانه لابنه بالتدليس والتزوير. ومن أراد أن يبقى فى الفريق فعليه أن يثبت جدارته بلياقته ومهاراته وبخلقه أيضا، ومن فقد جدارته ولياقته فعليه أن يعتزل بلا تردد. وهناك معيار واحد لإعلان فوز أى فريق هو إحراز الأهداف حيث لا فوز بالواسطة أو بالغش والتلاعب فى الأصوات. ثم إن المباريات كلها تتسم بالشفافية الشديدة، فكل أحداثها تتلاحق تحت أعين الناس الذين يراقبون أداء الجميع، اللاعبين وطاقم التحكيم والمدربين، ولهم رأى فى كل هؤلاء يمكن أن يبقى من أجاد ويقصى من أخطأ.

هذا بعض ما قلته قبل عدة أشهر، بمناسبة موسم انتخابات النوادى الرياضية، التى أعتبرها الانتخابات الوحيدة التى تجرى فى مصر بنزاهة ودون تدخل من أجهزة الأمن. وتمنيت وقتذاك أن تنتقل عدوى النزاهة من تلك النوادى إلى الانتخابات المحلية والتشريعية، ورغم أننى أدرك أننا فى مصر محصنون ضد الإصابة بمختلف فيروسات الديمقراطية، إلا أنها حبكت معى حين وجدتهم يتحدثون عن شيخوخة المنتخب القومى، فتمنيت أن نطبق المعيار ذاته على منتخبنا السياسى، ليس أملا فى تغيير شىء من أوضاعنا، ولكن من قبيل ممارسة الحرية الوحيدة التى مازلنا نمارسها ونحن مرتاحون، وهى حرية أن نحلم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved