فكر قبل أن «تشير»!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 15 سبتمبر 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

الفعل «يشير» دخل اللغة العربية من دون استئذان من مجمع اللغة العربية. أصل الفعل فى اللغة الإنجليزية «SHARE» أى يشارك.
الجميع ينطقها الآن بطريقة الفرانكو آراب، مسبوقة بحرف الياء فى اللغة العربية.
هى تعنى قيام أى شخص بمشاركة ما يعجبه من صفحات الآخرين ووضعها على صفحته.
السؤال: هل يفكر أى منا قبل أن يقوم بتشيير أو مشاركة أى كلام يقرأه على صفحات الآخرين؟!
لست صاحب السؤال، لكن سمعته من الرئيس عبدالفتاح السيسى ظهر السبت الماضى خلال مؤتمر الشباب الثامن، الذى عقد فى مركز المنارة للمؤتمرات بالقاهرة الجديدة.
السؤال يكرره كثيرون، وشخصيا دخلت فى مناقشات متعددة مع زملاء وأصدقاء وأقارب حول نفس الفكرة.
حينما أدخل على صفحاتهم، وأجد منشورات وكتابات غريبة، أبادر بسؤالهم: هل تعلم أن ما قمت بمشاركته أو «تشييره» صحيح أم خاطئ؟!
للأسف الشديد فوجئت بأن بعضهم لا يدرك ذلك، وبعضهم غير مهتم أن يفعل ذلك، وأن معظم مواقفهم ناتجة عن انطباعات سريعة أو شائعات كاذبة أو معلومات منقوصة أو محرفة أو مشوهة، وبعضها واضح انها «كتائب إلكترونية».
بالمناسبة هذا النوع من الناس لا يقتصر على فئة أو تيار أو طرف معين، للأسف هو سمة عامة بين المصريين. تجده بين المؤيد للحكومة والمعارض لها، إضافة لمن يقفون فى المنتصف، وهؤلاء يشكلون رأيهم ومواقفهم فى أحيان كثيرة للاسف من هذه «البوستات والفيديوهات المضروبة».
ما لفت نظرنا أكثر إلى هذه الظاهرة الخطيرة هى الجلسة الثانية فى مؤتمر الشباب أمس الأول السبت بعنوان: «تأثير نشر الأكاذيب على الدولة فى ضوء حروب الجيل الرابع»، والتى أدارها باقتدار الإعلامى محمود التميمى.
فى هذه الجلسة استمعنا إلى المخرج تامر الخشاب، الذى كشف عن آلية فبركة وتصنيع ليس فقط المنشورات، ولكن الفيديوهات. وأوضح لنا بالتجربة أن المزورين أو مطلقى الشائعات «قادرون على تصنيع الصوت والصورة بالطريقة التى يريدونها، لدرجة أن فيديو مزيفا حصد ١٫٤ مليون مشاهدة!!.
أنا أحد الذين شاهدوا هذا الفيديوييات التي عرضت بالامس، ولم أفكر وقتها أنها مزيف، والانطباع الأول الذى طرأ على ذهنى، أن حالة الفوضى الموجودة فى الشارع المصرى، يمكنها أن تقود إلى أحد هذه الأفعال المجنونة. وهنا الخطورة، أى وجود بيئة ممهدة تجعل المواطنين العاديين يصدقون أى معلومات حتى لو كانت مختلقة بالكامل.
طبعا هناك درجات متنوعة من الأخبار والفيديوهات المزيفة. وكلما كانت متقنة الصنع، كلما كان تأثيرها أخطر. وكما قال تامر الخشاب: «إن القائم بعملية الفبركة يبدأ فى اختراق حواسك، فى طريقه لتغيير إدراكك، ثم يكسر عزيمتك، بحيث يجعلك دائما فى حالة شك».
نعود إلى الذين يقومون بمشاركة أو تشيير الكتابات والصور والفيديوهات، على وسائل التواصل الاجتماعى، من دون أن يتأكدوا من صحتها ومصداقيتها.
مرة ثانية للأسف فإن جانبا كبيرا من هؤلاء متعلمون جيدا، ويحتلون مناصب مرموقة، وبعضهم حاصل على درجات علمية رفيعة جدا. وأكرر أن هذه العينة ليست قاصرة على طرف دون آخر. هى متفشية كالوباء بين الجميع!!
والسؤال الذى لا نجد إجابة شافية عليه هى: ما الذى يدفع بعض هؤلاء المتعلمين والمثقفين إلى تصديق كتابات وفيديوهات «مضروبة وملعوب فيها»؟!
الإجابات والتفسيرات كثيرة، وأهمها نقص أو غياب الوعى، وهو ناتج فى الأساس عن نوعية تعليم متخلفة تؤدى إلى غياب التفكير النقدى. وقد رأينا نموذج ذلك فى انتشار مقولة «أسر قائد الأسطول السادس الأمريكى»، أو مذكرات هيلارى كلينتون المزيفة، أو أن محمد مرسى صلى بالرسول والصحابة فى رابعة العدوية!!
التفسير الثانى هو وجود مناخ وبيئة تسمح للناس بتصديق هذه الشائعات. وثالثا وجود الهوى السياسى أو «الانتقائية» وهى حالة معروفة فى الإعلام تجعل الشخص يصدق ما يصادف هواه، ويرفض ما يخالفه، حتى لو كان يدرك أنه غير صحيح.
من سوء الحظ أنه لا يوجد علاج سريع وحاسم لهذا المرض اللعين، لكن علينا أن نؤكد على ضرورة التصدى للشائعات بنشر الحقائق والشفافية اولا باول، والتنوع والحرية فى وسائل الإعلام. وإلى أن يحدث ذلك، فعلى الجميع أن يتريث ويفكر قبل أن يقوم بمشاركة أو تشيير أى شىء!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved