ضرورة إعلان أسماء الحيتان وكبار الفاسدين

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 15 سبتمبر 2020 - 6:20 م بتوقيت القاهرة

سألت الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ظهر يوم السبت الماضى فى كفر سعد بمدينة بنها: لماذا لا تعلنون أسماء الحيتان وكبار الفاسدين الذين تم القبض عليهم أو تغريمهم ملايين الجنيهات بسبب تعديات ومخالفات البناء؟.
الرجل قال: نحن حصلنا على مليار جنيه من خمسة فقط من أصحاب الأبراج، كما أنه تم القبض على العشرات من المسئولين الفاسدين الذين سهلوا للحيتان ارتكاب جرائمهم فى التعدى على أراضى الدولة والبناء المخالف على الأرض الزراعية.
ظنى الشخصى أن الحكومة وأجهزتها المختلفة قصرت فى بداية القضية بصورة كبيرة فى إعلان وفضح وتجريس هؤلاء الحيتان والفاسدين.
بعد نهاية المؤتمر وقفنا نحن الصحفيين مع رئيس الوزراء وقلت له: من المهم الإعلان عن الإجراءات التى تم اتخاذها ضد هؤلاء، حتى تصل الرسالة لكل المجتمع بأنه لا أحد فوق القانون، خصوصا أن بعض الناس يقولون إن الحكومة تحابى كبار المعتدين على الأرض الزراعية وأراضى الدولة، وأنها لا تلتفت فقط إلا للغلابة والمساكين، وتريد أن تحصل منهم على غرامات هم غير مسئولين عنها، أو كانوا مضطرين لها، ورد رئيس الوزراء مؤكدا على تجاوبه مع الفكرة.
الرد البسيط على مثل هذا الكلام الذى يصدقه كثيرون هو أن تعلن الحكومة أولا بأول ما فعلته ضد كبار الحيتان الفاسدين.
ولا أعرف سببا منطقيا أو وجيها يمنعها من ذلك، خصوصا أن عدم الإعلان يؤدى إلى تكريس صورة نمطية بأن الحكومة تحابى الحيتان، وهو الأمر الذى تنفيه الحكومة بشدة طوال الوقت.
فى الشهور الماضية قامت أجهزة الدولة المعنية بهدم بعض الأبراج المقامة على أراضى الدولة، أو طرح النهر أو أراضٍ تخص الآثار ووزارة الدفاع، وهى قضايا لا يمكن التصالح فيها، بل واجبة الإزالة.
ظنى الشخصى أن الحكومة كان ينبغى أن تقدم الصورة بوضوح للناس وتقول لهم: «نحن لا نهدم أى عقار مخالف مأهول، أى بناه أصحابه على أرض تخصهم، لكنهم لم يحصلوا على رخصة، لكننا هدمنا فقط أبراجا مبنية على أرض الدولة، ولا يمكن التصالح فيها، ثم إنها غير مسكونة، وبالتالى كانت الرسالة ستصل للناس، بأنه لا هدم للمساكن المأهولة. وأن الدولة ستقبل التصالح فى أى مخالفة طالما أن الطرف المخالف سيدفع الغرامة المقدرة.
لا أحد عاقل يجادل فى أهمية القانون لكل المجتمع وللمستقبل، لكن فى المقابل كنت أتمنى من البداية أن تعى الحكومة لأهمية عدم وضع كل المخالفين فى سلة واحدة. بمعنى ضرورة الفصل بين صغار المخالفين وبين الحيتان الكبار الذين بنوا الأبراج العالية، سواء على أراضى الدولة أو على أرضهم بصورة غير قانونية. هؤلاء كان مهما أن يتم تجريسهم وفضحهم ومعاقبتهم بأقصى ما يتيحه القانون من شدة، لأن مخالفتهم كانت مع سبق الإصرار والترصد وسرقة حق الدولة. وفى المقابل كان ينبغى التعامل برفق أكثر مع صغار المخالفين مثل ذلك المواطن الذى بنى منزلا صغيرا على جانب حقله، أو اشترى شقة فى بناء مخالف، لأنه لم يكن يدرك أن البناء مخالف، أو كان يدرك لكنه لا يملك قيمة المخالفة.
الفصل بين الفئتين، بل وبقية الفئات كان مهما جدا، وكان سيسهل الموقف بصورة كبيرة على الحكومة ويمنع نشأة كتلة ضاغطة موحدة على الدولة، بحيث لا نجعل الناس تتعاطف مع الحوت الكبير الذى بنى عشرين برجا فى الإسكندرية مثلا، والنظر إليه باعتباره ضحية، مثله مثل الرجل المخالف فى بروز مقداره خمسين سنتيمترا مربعا!!
التفريق بين الفئات المختلفة كان سيعطى الحكومة فرصة كبيرة، لتقول للشعب إن المليارات التى ستأخذها من الحيتان الكبيرة، سوف يتم توجيهها لتنمية هذه المناطق، خصوصا فى بنيتها التحتية ومرافقها.
كنت أتمنى أن تكون البداية بالحيتان الكبيرة، وتحصيل قيمة المخالفات الكبيرة، حتى يمكن بعث رسالة لصغار المخالفين، بأن الحوت الكبير الذى دفع ٢٠٠ أو 300 مليون جنيه مخالفات عن أبراجه تم معاقبته أولا، قبل تغريم صغار المخالفين. لو حدث ذلك ما تجرأ البعض للقول بأن الفقراء والمساكين فقط هم من يدفعون المخالفات، وما تجرأت بعض وسائل الإعلام والمنصات المشبوهة على تشويه واجتراء المعلومات والحقائق.
للأسف الشديد المعالجة الحكومية للأزمة فى بدايتها لم تكن موفقة، وغابت عنها إلى حد كبير الأبعاد السياسية، مما أعطى فرصة للمتربصين وضعاف النفوس أن يصولوا ويجولوا، قبل أن تغير الحكومة طريقتها فى الأيام الأخيرة وتبدأ مخاطبة الناس بصورة صحيحة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved