عكاظ ــ السعودية الهيمنة اللغوية المعركة القادمة!

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالا للكاتبة منى المالكى.. نعرض منه ما يلى..
اللغة ليست مجرد رموز أو وسيلة للتواصل والتعبير عن مشاعرك وخواطرك فقط! اللغة هى الحامل الأكبر للثقافة والمعرفة، وهى السلاح الذى تدافع الأمم به عن هويتها وكينونتها، وهى إحدى المنصات الرئيسة التى يقلع منها المجتمع مغادرا بؤس التخلف والانغلاق إلى رحاب الرسالية حاملا مشعلا للحضارة، وقد كنا مشاعل النور عندما كانت غرناطة وقرطبة البوابتين اللتين دخلت منهما أوروبا إلى عصر التنوير!.
هناك جدال واسع بين اللغويين وعلماء اللسانيات حول ما إذا كان للغة علاقة مباشرة بالفكر ونمطه، بمعنى هل نفكر من خلال لغتنا، وبالتالى نرسم حدود عالمنا وتطلعاتنا عبرها، فتتحدد نظرتنا للعالم بحسب اللغة التى نفكر بها؟ أم أننا نكوِّن تصورات سابقة عن العالم ونستخدم اللغة فقط للتعبير عن تلك التصورات؟ إلا أن الاتفاق هو وجود ارتباط وثيق بين اللغة والفكر، وقد رُجِّح ذلك عبر عدة مقولات لكبار الباحثين فى اللغة والثقافة، كمقولة ابن حزم: «إنه لا سبيل إلى معرفة حقائق الأشياء إلا بتوسط اللفظ»، وكما تحدث دى سوسير: «إن أخلاق الشعب تؤثر على لغته واللغة هى التى تصنع ذلك الشعب».
نعيش الآن واقع التداخل اللغوى فى مجتمعنا والذى يعبر عنه بمصطلحين: الأول «الثنائية اللغوية» والآخر «الازدواجية اللغوية»، وهذا الأخير يعرَّف «بوجود لغتين من نفس النظام اللغوى»، كالعامية والفصحى، أما المصطلح الأول فيعرَّف «بوجود مستويين لغويين مختلفين ليسا من نفس النظام اللغوى فى لغة قوم وعلى بقعة جغرافية محددة»، كالعربية والإنجليزية مثلا، والثنائية اللغوية هى ما جعلنا نشعر بالخوف على لغتنا من السيطرة والهيمنة اللغوية، وخير مثال يطرح للاستشهاد بقدرة الأمم فى الحفاظ على لغتها وهويتها هى فرنسا وعنايتها باللغة ومقاومتها للتأثير اللغوى الخارجى، فالفرنسيون كانوا فى ريادة الشعوب التى اهتمت بهذه المسألة سواء فى ما يخص الدفاع عن الفرنسية التى تمثل الهوية والقومية والريادة والضامن الحضارى، أو ما يخص تصدير الفرنسية بتجلياتها خارج فرنسا إما قهرا خشنا أو ناعما. وإصدارها «لقانون توبون» نسبة لوزير الثقافة الفرنسى جاك توبون؛ القانون الذى يهدف إلى إثراء اللغة الفرنسية والالتزام باستخدامها والدفاع عنها كاللغة الرسمية للجمهورية، وضمان أسبقيتها على المصطلحات الإنجليزية حصرا لزيادة استخدام الإنجليزية على الأراضى الفرنسية. والطريف أن هناك صراعا نشب داخل فناء اللغة الإنجليزية نفسها بين البريطانيين والأمريكيين، وذلك فى القرن التاسع عشر الميلادى، سمى ذلك الصراع بحرب المعاجم، عندما سعت أمريكا للاستقلال اللغوى وتكوين هوية لغوية خاصة بها لفك الارتباط مع بريطانيا، وليتوج الاستقلال السياسى باستقلال ثقافى معرفى، فقد نشب الصراع بين صاغة معجم ورستر Worcester الذى كان ينزع نحو اللغة الإنجليزية المحافظة المعتمدة فى بريطانيا، وبين صاغة معجم وبستر Webster الذى نزع نحو الاستقلال اللغوى للأمريكيين؛ الأمر الذى نجح فيه هذا الأخير فعلا وصار ذلك المعجم ذا صيت واسع ومنافسا عالميا.
فهل نستطيع قيادة معركة الحفاظ على لغتنا فى مجتمعنا مع الاعتراف بأن لغتنا العربية غير منافسة فى سوق العمل وعدم وجود مبادرات قوية لحل هذه المعضلة، مع الوقوف احتراما وتقديرا أمام رغبة الآباء والأمهات فى البحث عن مستقبل وظيفى جيد لأبنائهم وهذا حق من حقوقهم ولكن يؤخذ عليهم الانصياع الأعمى لهذه الرغبة الملحة فى تمييع هويتنا والتى تمثل اللغة حجر الزاوية بها. يقول جون كالفى عالم «السوسيولوجيا اللسانية»: «اللغة مركز القيادة، وأما السياسة والاقتصاد فتابعان، ونتيجة لا وسيلة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved