أعطنى حرّيتى .. أطلق يديّا

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 15 أكتوبر 2013 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

انطلقت منذ 30 سبتمبر 2013 حملة «سيّبونا» التى ينظّمها عدد من الشبّان بهدف التعبير عن مشاعرهم وتصوّراتهم ومواقفهم ممّا يجرى فى البلاد ورغبة منهم فى «امتلاك الصوت» وتجاوز حالة التعتيم أو العمى المقصود، وحرصا منهم أيضا على إعلام الجماهير بما يتعرّض له «شباب الثورة» من اعتداءات أو ضغوط أو انتهاكات ترسّخ لديهم الشعور بالغبن والإحباط، وبأنّهم باتوا الفئة الأكثر استهدافا. فهل بدأ النظام الجديد ينتقم من فئة خرجت على السرب وأحدثت «الضجيج»؟ وهل بدأت الثورة تلتهم أبناءها؟

حدّد شباب «سيّبونا» الغاية من حملتهم وهي «التعريف بقضايا الشباب الناشط والمبدع الذى انخرط فى الثورة وآمن بمبادئها فوجد نفسه ملاحقا قضائيا أو معرّضا للعنف». وهذه القضايا ذات وشائج فى الواقع، بالحرّيات الفرديّة والجماعيّة: حريّة المعتقد، وحريّة التعبير، وحريّة التفكير، وحريّة الضمير وغيرها، ومعنى هذا أنّ مناخ الثورة حرّر فئات كانت طيلة عقود مغمورة، مسلوبة حقّ التعبير وفى المقابل فرض قيودا جديدة على فئات أخرى طالبت بتعميم الحريات على الجميع، وتلك لعمرى مفارقة عجيبة.

•••

قلّب النظر فى صفحة «سيّبونا» على الفيس بوك تكتشف: حمزة بلحاج محمّد، وأيمن الجوينى، وهند المدّب، ومروى معلاوى، ومغنى الراب ولد الـ15و Mr Mustapha وMen-AوKLAY وغيرهم من الشبّان الذين «ينكّل» بهم بدعوى الإخلال بالأخلاق الحميدة أو تسريب معلومات لا أساس لها من الصحّة أو المشاركة فى الاحتجاجات وغيرها من التهم التى يعتبرها الشبّان تهما «ملفّقة وكيديّة» تهدف إلى تصميت «شباب الثورة».

وحين نتأمّل فى خطابات بناء الذات وأنساق تمثيلها نتبيّن تصنيفا وفرزا على أساس الأيديولوجيا أو الولاء للحزب الحاكم. فـ«نحن» تُعرّف من خلال النظام الثنائى المتقابل، وفى علاقة ضديّة مع «هم» لتتسع بذلك الفجوة، وتُبنى الجدران العازلة المستثمرة فى «صناعة العدوّ». وبعد أن وحّدت اللحظة الثورية بين جميع الفئات الاجتماعية وأذابت عوامل التفرقة (السنّ، الطبقة، العنصر، الدين...) ها هو المسار الانتقالى يغدو منتجا للانفصال ومفكّكا لروابط التضامن والالتحام.

فإزاء «شباب الثورة» نجد «ميليشيات حماية الثورة» و«شباب حركة النهضة» و«الشباب السلفي»... وإزاء الشباب المبدع نجد شبابا يقاوم كلّ أشكال التعبير المتعارضة مع المقدّس، والمنافية للأخلاق الحميدة، والمخالفة لأحكام الشريعة والموغلة فى التغريب... وإزاء «رجال عاهدوا الله على الجهاد»، و«رجال الكرم» (ضاحية بالعاصمة) نجد فئات من «المخنّثين»، وفاقدى مقوّمات الرجولة.

ولئن تمّ إلقاء القبض على عدد من المنتمين إلى معسكر اليسار والمنضوين تحت معسكر اليمين فإنّ الأحكام الصادرة بشأن هؤلاء وأولئك متباينة من منظور شباب حملة «سيبونا» وغيرهم من الممثّلين للمجتمع المدنيّ. فمن «روّع العباد» ومارس العنف واعتدى على الناس والممتلكات يفلت من العقاب وفى المقابل ينال الشباب الذى يقدّم نفسه على أساس أنّه «شباب الثورة» أقسى الأحكام. وفق هذا الطرح تصاغ سردية جديدة يكتب تفاصيلها شباب آلوا على أنفسهم مواصلة النضال والمقاومة لا من موقع الضحيّة الخانعة والمستسلمة لمصيرها بل من موقع الناشطة الحقوقيّ المؤمن بأنّ طريق الحريّة تتطلّب مزيدا من التضحيات.

•••

شباب «سيبونا» يتساءلون لمَ يهاب الحكّام الجدد شمس ربيع الحريات؟ لمَ يزعجهم تعدّد الأصوات واختلاف النغمات وحصول النشاز؟ لمَ يمقتون الحركات المنبعثة من الأجساد «الحارّة» كالهمس واللمس والغمز والرقص والتثنّى....؟ لمَ يخشون الهجانة والعبث بالمعايير وتجاوز الحدود والقطع مع لغة تميل إلى الألغاز وتعشق الكناية والتورية والجناس والطباق ؟ لمَ يعشقون النظام والسلطة والترتيب والائتلاف والتوحيد والضمّ والتأويل ويرتعبون من قطع الوصلة وكسر الأقفال وفعل التحرّر؟

من فرط العيش فى الكهوف والسراديب والسجون والمنافى... صار مسلك العمى والحجب مألوفا، ومسار الكشف مرعبا وشعاع الشمس مقيتا، ومن طول بحث «الإخوان» عن وسائل النصرة والجمع والرصف... صار الاختلاف مخيفا.

لا عزاء لشباب «سيبونا» من استئناف الثورة فـ«من ذاق طعم العبودية تألّم بالحرّية» (ابن عربى، الفتوحات المكيّة).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved