مصر تأكل

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 15 أكتوبر 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

جلس جمعة أمام التليفزيون فى انتظار انطلاق مبادرة «مصر تأكل» التى أعلن عنها منذ أسبوع المذيع المحبوب بكر لبيب. عرف بها من الملصقات المختلفة التى أغرقت الشوارع وهى تظهر المذيع جالسا أمام مائدة حافلة بالمأكولات الشهية. كان وجهه يحمل تعبيرا مختلفا فى كل ملصق. مرة يمط شفتيه، وثانية يقلب عينيه، وثالثة يحذر بأصبعه، ورابعة يفكر، وخامسة، وسادسة، وسابعة.

تذكر طفله ذا الستة أعوام، والطرق المختلفة التى يصعر بها وجهه فابتسم وقال فى نفسه: سيصبح بركة مذيعا فى يوم من الأيام.

اهتمام الإعلام بالمبادرة كان جارفا. ورغم أن جمعة لم يفهم ما قيل عن أهميتها فى تحرير الوطن من التبعية بتطوير آليات لعلاج آثار إفراط المواطنين فى الأكل على القرار الوطنى، وتجنيب مصر السقوط فى فخ التبعية بسبب التمادى غير المسئول فى استهلاك الغذاء، إلا أنه لاحظ أن الصحف وبرامج التليفزيون بدأت تتوسع فى عرض أضرار الطعام ومناقب أكل اللحوم والدواجن.

اقترب موعد البرنامج، فطلب من زوجته «تفيدة» مساعدته فى نقل التليفزيون إلى حافة منضدة الطعام. تبعهم الصغير وتحلق الثلاثة بجوار الجهاز أمامهم بضعة أرغفة من الخبز. مع ظهور الصورة التدريجى على الشاشة بدأ جمعة يفرك يديه ترقبا.
تنقلت الكاميرا بين صنوف من الطعام الشهى المتراصة أمام المذيع بكر الذى جلس إلى جوار الدكتور هادى الشاطر، وهو يشرح الخلفية العلمية للمبادرة.

«الجوع والشبع مالهمش علاقة بالأكل. دى مشاعر بتتكون نتيجة استجابات حسية لإثارة مراكز معينة فى الدماغ. الإنسان معندوش احتياج حقيقى للأكل. الاستمتاع بالطعام والإحساس بالشبع ممكن يتولد بالتأثير على المراكز دى أو بخداعها، وبكده نقدم أكبر خدمة لبلدنا. تحب تتعشى مع مصر؟ تحب تتعشى مع بلدك؟ قرب السفرة من التليفزيون وانضم لى أنا والأستاذ بكر لبيب مذيعنا العظيم اللى قرر يضحى بالريجيم عشان جمهوره».

ضحك بكر وقال مصححا «بنضحى عشان مصر يا دكتور». تابع حديثه هو ينظر إلى مختلف الأطباق المرصوصة على المائدة، بينما خرجت كلماته ممطوطة بأسلوبه المميز: «النهاردة عندنا خيرات ربنا. كلكوا هتاكلوا معانا. مش هتاكلوا مصر، لكن هتاكلوا مع مصر. شد لك رغيف أو بطاطسية، وخلى عينك علينا وأحاسيسك معانا. اتخيل.. حس بصوابعك وهى ماسكة الهبر، حس بحتة الريش دى وهى بين سنانك. مصر أم الدنيا، وبكره هناكل الدنيا» ثم نظر للدكتور الشاطر وناوله إصبعا من الكفتة «خد من إيدى يا دكتور».

انتفض الدكتور هادى الشاطر وظن أن بكر يسخر من دوره فى فضيحة جهاز الكفتة الشهير، فتجاهله ومد يده إلى صدر دجاجة مقلى.

تابع جمعة حوارهما واقترب من شاشة التليفزيون وكأنه يريد أن يشم رائحة الطعام، ثم بدأ يلوك قطعة انتزعها من رغيف الخبز. فى مواجهته جلس طفله يقلده. أما تفيدة فأخذت تتأمل المشهد بفضول.

كان المذيع يتبادل مع الدكتور وصف الطعام ومذاقه للمشاهدين بينما يتناثر اللعاب من فمه أثناء الكلام. تماهى جمعة تماما مع الحدث وغاب عن الوجود. سمع بكر بغتة يقول: بص يا جمعة حتة العيش اللى فاضله من رغيفك دى، أنا عاوزها.

غمر جمعة شعور بالدهشة والفزع. هل سمع اسمه بالفعل؟ نظر فى يده ولم يجد القطعة التى كان يقضمها، وخلف الشاشة بدا له أن بكر ينظر إليه ساخرا وهو يلوك قطعة خبز.

أفاق جمعة من دهشته على صوت طفله وهو يدس شيئا فى يده: «بابا.. انا شبعت خلاص. خد انت اللقمة دى».

لم يرد جمعة وتابع طفله وهو يغيب مع الأم فى الداخل، وعندما تأكد أن أحدا لا يراه، تحسس الشاشة برفق باحثا عن منفذ فيها، بينما يقضم قطعة الخبز التى قبضت عليها يده بقوة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved