هكذا تضيع الأوطان!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

السؤال المنطقى والبديهى الذى يفترض أن يسأله كل سورى وعربى لنفسه هذه الأيام هو: ما الذى أوصل الأحوال فى سوريا إلى ما وصلت إليه الآن، بحيث صارت سوريا أرضا وسماء مستباحة لكل القوى الإقليمية والدولية، وآخرها الغزو التركى الهمجى الذى بدأ الأسبوع قبل الماضى؟!
والسؤال الأهم الذى يليه هو: كيف يمكن منع تكرار واستنساخ المأساة السورية فى بلدان عربية أخرى، مثلما هو حادث الآن بالفعل فى ليبيا واليمن، وقبلهما فى العراق؟!
لا ادعى اننى املك اجابة قاطعة، لكن ما يحدث هذه الأيام فى سوريا فرصة ذهبية لكى نتذكر جميعا كيف تضيع الأوطان، ولكى ندرك أن ما يظنه البعض ثورة أو انتفاضة أو إصلاحا، قد يتحول إلى كارثة محققة اذا لم نحسن ادارتها، وفى المقابل علينا ألا ننسى ابدا أن القمع والاستبداد والطغيان وانعدام أى أمل فى المستقبل هو أس كل الشرور.
فى مارس ٢٠١١ ثار بعض السوريين انطلاقا من مدينة درعا طلبا للحرية والديمقراطية بعد أن رأوا البشائر تهل من تونس ومصر.
الانتفاضة فى سوريا ما كانت لتندلع، لولا الحكم القمعى المستبد لنظام بشار الأسد وحزب البعث الذى يسيطر على سوريا منذ الانفصال عن مصر تقريبا فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.
انتفاضة السوريين كانت نبيلة ومحترمة مثل ثورة التونسيين فى ديسمبر ٢٠١٠، وثورة المصريين فى ٢٥ يناير ٢٠١١، لكن مثلما حدث فى مصر، فإن قوى التطرف والظلام، اختطفت الثورة، ووضعتها هدية فى حجر جماعة الإخوان.
الجميع فى سوريا أذنبوا سلطة ومعارضة والشعب كان هو الضحية الرئيسية.
كان يفترض بالسلطة أن تنحنى لمطالب الشعب أو الحد الأدنى منها على الأقل. لكن السلطة اختارت البطش الشديد وعدم التسامح. وكان يفترض بالمعارضة ألا تلجأ إلى عسكرة انتفاضتها، لكن الطرفين اختارا اقصاء الاخر تماما واللجوء إلى الصراع الصفرى.
لا يوجد ملائكة وشياطين فى سوريا. الجميع كانوا شياطين ومع تشدد السلطة والمعارضة، كانت فرصة ذهبية لكل شياطين المنطقة والعالم، أن يتسللوا إلى سوريا، وينفخوا فى نار الصراع، حتى وصلنا إلى النقطة الحالية. دخلت دول الخليج وسلحت المعارضة، ظنا أن ذلك سينهى حكم آل الأسد، وبالتالى ينتهوا منه لتحالفه مع ايران ودوره فى لبنان وسخريته من بعض حكام الخليج. أما قطر فكان دورها الأبرز، بل وسلحت ومولت تنظيمات متطرفة بالشراكة مع تركيا، لإيصال جماعة الإخوان للحكم، حتى يكتمل صعود الجماعة عربيا، وبالطبع كان ذلك قبل سقوطهم المريع فى مصر فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
بعد فترة قصيرة، كان كل طرف يعتقد أنه قادر على حسم المعركة لصالحه، ولم يكن يدرى أن المتآمرين الكبار قرروا استمرار النزيف حتى شطب سوريا نفسها من المعادلة.
دخلت روسيا وإيران وسائر التنظيمات الشعبية من دول مختلفة لنجدة النظام. ودخلت أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية خليجية، بحجة القضاء على داعش والمتطرفين، ولم تقض عليهم، بل دعمت استمرار الصراع. ودخلت تركيا بحجة حماية المدنيين السوريين، لكنها عمليا دعمت المتطرفين والإرهابيين، ومنعت الأكراد من تحقيق أى مكاسب استراتيجية قد تعطى أملا لأكرادها للحصول على الاستقلال او الحكم الذاتى. تكالب الجميع على سوريا، والنتيجة الفعلية أن السلطة مستمرة لكن بدعم روسى إيرانى، والإرهابيون مستمرون بدعم تركى وغربى، حتى لو كان فى إدلب فقط، وربما لاحقا فى شرق الفرات.
لم تتحقق الديمقراطية ولا التعددية ولا الحريات ولا حقوق الإنسان، العكس هو ما حدث. صارت سوريا للأسف مطمعا للجميع خصوصا إسرائيل المستفيد الأكبر من هذه المأساة.
ما حدث فى سوريا خلال السنوات الثمانى الماضية درس مهم جدا للجميع. درس لكل سلطة بأن القمع مهما اشتد لن يخمد أى معارضة سلمية أو متشددة، وأن الأصلح هو الديمقراطية او التشاركية أو أى شكل من التوافق الوطنى. ودرس مهم جدا لأى معارضة، تعتقد أنها ستحسم السلطة لصالحها بالقوةن بأن الآخرين لن يسمحوا لها بذلك، وأن اللجوء للقوة يعطى فرصة ذهبية للسلطة قد تزيد من بطشها، وأن اشعال الصراع بهذه الطريقة لم يستفد منه إلا أعداء سوريا والعروبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved