حلم ليلة صيف عجيبة حول فلسطين و«اتفاق إبراهام»..

محمد عبدالشفيع عيسى
محمد عبدالشفيع عيسى

آخر تحديث: الخميس 15 أكتوبر 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

رأيت فيما يرى النائم «حلم ليلة صيف» على غرار تسمية وليم شكسبير لإحدى مسرحياته الشهيرة، أن الحال صار غير الحال، وأن النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية العربية غير النخب.. وأن الواقع الدولى والعربى والمحلى غير الواقع. فإذا بى أنتفض غضبا من هول «الكوابيس» وأضغاث الأحلام أثناء النوم العميق، لأقول ما لا يقال، فكان هذا المقال العجيب.
رأيت أننى أكتب تحت عوان (استحقاقات فلسطين والعرب المؤجلة؛ ولكن إلى متى..؟) وذكرت أنه لا مناص من التثبيت العربى العقائدى للحقوق العربية الفلسطينية فى ضوء «الأمر الواقع» الإسرائيلى المفروض بالقوة القاهرة منذ 1948، ولنؤكد هذه الحقوق حتى لو لم نستطع الحصول عليها الآن أو فى أى أجل منظور، فى مواجهة الخضوع و«الوقوعية».
كتبت آنئذ، تحت تأثير الخَدَر فى وقت النوم، أنه وكما يطرح ما يسمى «اليمين المتطرف» فى إسرائيل، جدول أعماله الخاص، لِمَ لا يطرح بعض العرب ــ «غير المتطرفين» على كل حال ــ جدول أعمالهم فى المقابل وكما ينبغى أن يكون. واستأنفت الكتابة باستعراض بضعة من أبرز بنود «جدول الأعمال» لذلك المسمى «اليمين المتطرف» فى إسرائيل، وهى عينها تمثل «أجندة» «الصهيونية الأصولية» إن صح التعبير. وأبرز هذه البنود، كما يظهر، هى:
ــ اعتبار فلسطين التاريخية كلها، هى أرض لليهود المهاجرين إليها من العالم الخارجى على دفعات منذ أوائل القرن المنصرم، دون شريك، وأولها أرض فلسطين المحتلة عام 1948 إثر «النكبة».
ــ حق الاستيطان اليهودى فى أراضى فلسطين التى جرى احتلالها إثر العدوان الإسرائيلى فى يونيو/حزيران1967، وخاصة الضفة الغربية لنهر الأردن (وفق التسمية التوراتية لديهم: «يهودا والسامرة«) واعتبارها جزء من «أرض إسرائيل» المزعومة.
ــ «حق العودة» لليهودى، كل يهودى، إلى (أرض إسرائيل) المزعومة تلك، مع الإنكار المطلق لكل ما يمكن أن يشير، ولو من طرف خفى، إلى حق العودة الفلسطينى إلى وطنهم الحبيب.
ــ التملك الخاص لما يسمونه «جبل الهيكل» كمقابل للمسجد الأقصى، العربى ــ الإسلامى.

فماذا لدى العرب من جدول أعمالهم؟
عدا عن الموقف القومى الحقيقى الداعى إلى «استرداد فلسطين السليبة» فى حدود الممكن والضرورى زمنيا وموضوعيا، وكذا عدم التنازل عن الحقوق الأساسية العربية ــ الفلسطينية مهما طال الزمن وتحت أى ظرف، فإن من المهم طرح جملة مطالب أساسية، يمكن أن يتقبلها ما يسمى «المجتمع الدولى»، وتتفق إلى حد بعيد مع شرعيته القائمة وفق قرارات المنتظم العالمى ــ الأمم المتحدة ــ الصادرة منذ 1947 وحتى الآن، ومنها:
1 ــ التأكيد على حق العودة للشعب الفلسطينى (اللاجئين وفى الشتات)، مقابل (حق العودة اليهودى) غير الشرعى، مع ما يترتب على ذلك من تقديم التعويضات اللازمة فى حال تعذر العودة، وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 عام 1948.
2 ــ إقامة دولة فلسطينية كاملة الحقوق السيادية للشعب العربى الفلسطينى، بما فى ذلك تكوين جيش كامل العدة والعتاد. ويتم الرجوع هنا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بالاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير والاستقلال.
3 ــ استكمال عضوية دولة فلسطين فى منظمة الأمم المتحدة وفى جميع المنظمات المرتبطة والتابعة لها (عضوية كاملة وليست العضوية بصفة «مراقب» فقط كما هو الحال الآن).
4 ــ التوقف تماما عن جميع الممارسات التى تخل بالموقف القانونى الثابت تاريخيا للمسجد الأقصى بما فى ذلك أعمال الحفر والتنقيب فى جميع أماكن العبادة للمسلمين والمسيحيين فى القدس والحرم الإبراهيمى وبيت لحم وما حولها، وغيرها. ويرتبط بذلك إبطال المزاعم الصهيونية حول أية حقوق فى حرم المسجد الأقصى بشأن ما يسمونه «جبل الهيكل» وغيره.
5 ــ الرجوع إلى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقدس كمدينة موحدة ذات وضع خاص، غير خاضعة لليهود بالطبع؛ وفى الحد الأدنى: الإقرار بكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
6 ــ إبطال جميع أعمال الاستيطان فى الضفة الغربية والقدس وما حولها، وإزالة جدار الفصل العنصرى الذى ثبت عدم شرعيته وفق الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية بالخصوص (يوليو 1996).
7 ــ ربط إقامة أية علاقات (طبيعية) للحكومات العربية مع الكيان الإسرائيلى بالعمل ــ كحد أدنى ــ على الاعتراف القانونى بحدود «التقسيم» التى رسمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر فى 29 نوفمبر عام 1947 بإنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وإقامة دولتين عربية ويهودية مع نظام خاص للوصاية الدولية للقدس وبيت لحم.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه يمكن، ويجب، القيام بخطوات، ولو كانت ذات طابع انتقالى، على طريق بناء جدول الأعمال العربى الفلسطينى الحقيقى، مقابل «أجندة» الصهيونية الأصولية فى إسرائيل وخارجها، وذلك على النقيض مما يجرى الترويج له من لدن البعض راهنا حول «التطبيع» العربى مع الكيان الإسرائيلى وحول تبادل العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادى.
وفى مقدمة الخطوات الضرورية فى هذا السياق، ممارسة أقصى درجات الضغط على كيان «الأبارتايد، الفصل العنصرى، الإسرائيلى، القائم إيديولوجيا على ما يسمى «قانون القومية»، الصادر كقانون أساسى من الكنيست بتاريخ 19 يوليو 2018 والذى يعرف إسرائيل (دولة قومية للشعب اليهودى). والقائم، ذلك الكيان، سياسيا على قمع حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير القومى، وقائم اجتماعيا وديموغرافيا على محاولة (شطب) الوجود الفلسطينى: البشرى والجغرافى، بفعل الاستيطان والتمييز وجدار الفصل العنصرى بعد أن تم ابتلاع نحو 78% من فلسطين التاريخية. ويصل ذلك إلى حد التفكير فى ضم غور الأردن والمستوطنات، بعد أن كان قد تم إعلان ضم الجولان العربية السورية بقرار ذاتى من «الكنيست» الإسرائيلى فى ديسمبر 1981.

«اتفاق أبراهام» أو التوظيف السياسى الفج للرمزية الدينية...!
الشىء بالشىء يذكر، فإنه ارتباطا بما سبق ذكره، تم تنظيم احتفال بالتطبيع بين إسرائيل وبين كل من دولة الإمارات العربية المتحدة (باتفاقية أو معاهدة) ومملكة البحرين (باتفاق)، تحت رعاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى حديقة البيت الأبيض يوم الثلاثاء الموافق 15 سبتمبر/أيلول 2020 تحت شعار (اتفاق إبراهام). وتقول الترجمة العربية الرائجة لعنوان الاتفاقية والاتفاق إنه «إبراهيم»، وذلك للإيحاء بصلة الانتساب المزدوجة لكل من الإسلام واليهودية ــ بل والمسيحية أيضا ــ إلى «أب» أو نبى مشترك. فما صلة إبراهام (إبراهيم..!) بالديانات الثلاثة التى يطلق عليها البعض حتى فى شطر من التراث العربى الإسلامى «الديانات الإبراهيمية»، ربما بتأثير من تغلغل «الإسرائيليات» فى بعض من هذا التراث، كما هو مسجل لدى عديد الباحثين...؟
وأين تلك السمة (الإبراهيمية) المشترَكة المدعاة لدى ثلاثة ديانات، ليس بينها ما يشى بوحدة تامة فى المعتقد الأصولى أو بالمشاركة فى الأصل «البشرى» (أو «الدم»، تجاوزا)؟
إنه فى الحق لونٌ من التوظيف السياسى (الفج) للرمزية الدينية، والذى تقوم به فئة سياسية واجتماعية من بين ألوان الطيف لدى بعض من أبناء الديانة اليهودية ومن أبناء الديانة المسيحية، بل ومن بعض أبناء الديانة الإسلامية أيضا ومن العرب.
هذا التوظيف السياسى الذى يتدثر بمسمى (إبراهيم) وبما يدعونه (الإبراهيمية) إنما يسعى، فى التحليل الأخير، إلى مجرد (لصق) الصهيونية الأصولية فى نسختها الإسرائيلية– اليهودية الراهنة، ومن ثم (لصق) إسرائيل كدولة يهودية، (لصقا) مفتعلا بكل من الإسلام والمسيحية، من أجل تحويلها إلى نبت طبيعى، «غير شيطانى» على كل حال، من بين نباتات عدة، وذلك فى بيئة تلفظه لفظا، ومعنى، بغير مِراء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved