حديث الصمت!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 15 أكتوبر 2021 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

 

الأسبوع الأول من العام الدراسى الجديد، وضع المقاربة التى تطرحها الدولة المصرية بشأن رؤيتها لحقوق الإنسان فى مأزق شديد، وأثار شكوكا حول إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، أو حتى إقناع دول العالم بأنها بديل حقيقى للمفهوم الدولى لحقوق الإنسان، المتعارف عليه منذ عقود.

فالدولة المصرية وعلى لسان كبار مسئوليها، دائما ما تطالب دول العالم التى توجه انتقادات لسجلها الحقوقى، بعدم التركيز على تطبيق المفهوم الغربى لحقوق الإنسان، والنظر إليه بمفهومه الشامل، الذى يتضمن الحق فى الأمن والصحة والتعليم والمسكن الملائم، حيث تبذل فى هذا الإطار جهودا كبيرة من أجل توفير هذه الحقوق لمواطنيها.
كما تؤكد أيضا أن الحجم الهائل من المشروعات الضخمة التى يجرى العمل على تنفيذها من خلال المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، التى تستهدف تطوير حياة نحو 60 مليون إنسان بالريف المصرى، يعد «عصب حقوق الإنسان»، وأنه يجب على الجميع تفهم حقيقة ما يحدث فى مصر من تطور اقتصادى كبير وتنمية عمرانية هائلة، ومشاريع طرق وكبارى وصرف صحى لم يسبق لها مثيل.
رؤية طموحة بلا شك حتى لو اقتصرت على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ولم تتسع لتشمل حقوقهم فى فتح المجال العام وحرية الرأى والتعبير وممارسة السياسة بدون قيود، لكن عندما دق جرس الحصة الأولى من العام الدراسى الجديد، اكتشفنا واقعا معيبا حملته لنا كاميرات التليفونات المحمولة، ولا يرتقى بأى حال إلى طموحات تلك الرؤية، حيث وجدنا طلابا فى عمر الزهور يجلسون على الأرض لعدم وجود مقاعد دراسية، وتكدسا كبيرا فى الفصول الدراسية، وعجزا هائلا فى عدد المدرسين.
الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، لم يخف هذا الواقع أو يزينه، وإنما قال فى تصريحات تلفزيونية إن العجز فى الفصول يصل لـ 250 ألف فصل، مشيرا إلى أن الفصل يتكلف على أقل التقديرات نصف مليون جنيه. وأضاف أن الوزارة تعانى من عجز فى أكثر من 260 ألف معلم فى مختلف التخصصات، موضحا أن كل 30 ألف معلم يكلفون الدولة مليار جنيه بالحد الأدنى للأجور، وبالتالى نتحدث عن 9 مليارات جنيه لسد عجز المعلمين فى المدارس، متابعا: «ما نقدرش نطلب من المالية المبلغ ده فى ظل الأعباء الكثيرة الحالية فى الدولة».
خيرا فعل الوزير شوقى فى سرد واقع التعليم فى مصر، ولم يلجأ إلى لىّ أو تزييف الحقائق، لكن الخط لم يمتد على استقامته فى كيفية التعامل مع سلبيات هذا الواقع، حيث قررت وزارته «منع التصوير داخل المنشآت التعليمية، إلا بعد التنسيق المسبق مع المستشار الإعلامى للوزارة أو مدير المديرية أو الهيئة أو المركز، للحفاظ على هيبة المؤسسات التعليمية واحترام العاملين بها»، وهو قرار يحمل علامات استفهام كثيرة.
للأمانة الأزمة التى يواجهها قطاع التعليم ليست قاصرة عليه فقط، لكنها تمتد إلى قطاعات أخرى فى الدولة تعد فى مجملها جوهر المقاربة المصرية لحقوق الإنسان، مثل الصحة والسكك الحديدية والصرف الصحى والتموين وغيرها من القطاعات التى تعانى من مشكلات كبيرة، جراء ضعف التمويل المخصص لها فى الموازنة العامة.
ليس عيبا أن تكون هناك أزمات حقيقية فى دولاب العمل الحكومى، فنحن لسنا فى دولة وفرة، ولا يجب أن ندعى ذلك، لكن العيب الحقيقى هو العمل على إخفاء هذه الأزمات ومعاقبة من يكشفها، مثل قرار منع التصوير داخل المنشآت التعليمية، فمعالجة المشكلات والأزمات فى جميع القطاعات، لا يكون بفرض حديث الصمت أو السكوت الإجبارى على الجميع، ولكن بإظهارها للنور وعدم الهروب من مواجهتها والبحث عن حلول جذرية لها، والاقتناع بأن هيبة مؤسسات الدولة رهن بقدرتها على مواجهة التحديات التى تعترض طريقها، وعدم الاستسلام للخيار الأسهل دائما، وهو «حالة الإنكار» التى لن تكون أبدا فى صالح بناء وطن قوى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved