أم الجماعات والميليشيات؟!

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 15 نوفمبر 2014 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

تكاد الدولة الوطنية التى عرفها العرب فى القرن العشرين أن تتفكك وتقسم أو تزول وتندثر أو تضعف.. وتحتل مكانها ومكانتها الجماعات الدينية والميلشيات المسلحة، خاصة الميلشيات المذهبية والتكفيرية.

ففى العراق، تسيطر داعش كتنظيم عولمى بفكر «سوبر تكفير» على وسط العراق.. وتسيطر الميليشيات الشيعية المختلفة على جنوب العراق وبغداد.

أما البشمركة الكردية فتسيطر على كردستان العراق.. وفى ليبيا تسيطر فجر الإسلام وأنصار الشريعة على معظم ليبيا.

أما اليمن فيسيطر الحوثيون الشيعة على معظم اليمن، والحوثيون من الشيعة الزيدية اليمنية التى كانت أقرب الناس لسنة اليمن.. فإذا بهم يتغيرون تغييرا جذريا ويسيطرون على اليمن كله ويريدون فصل الجنوب عن الشمال.

ليفعلوا مثل غيرهم ويقدموا الطائفة على الوطن والفصيل على الأمة والمذهب على الدولة؟.

والغريب أن الحوثيين غيروا اسمهم فجأة ودون سابق إنذار بعد الانتصارات المدوية على دولتهم اليمن.. فاختاروا اسم «أنصار الله» على وزن «حزب الله اللبنانى» وكأنه ينبغى على كل جماعة أن تعلن ولاءها الخارجى صراحة دون مواربة.

فالغريب أن كل جماعة أو ميليشيا لا يكون ولاؤها للدولة الوطنية التى تعيش فيها أو للوطن الذى تنتسب إلى جنسيته بل يكون ولاؤها لبعض الدول الخارجية أقوى وأبقى.. لأن الحبل السرى لها ممدود إلى الخارج.

إن كل ما يحدث فى الدول العربية يتكرر «بالكربون»، كما يقول المصريون.. فقد بدأ الحوثيون اعتصاما فى 22 أغسطس بنصب خيامهم حول وزارات الداخلية والاتصالات والكهرباء، وحاصروا مطار صنعاء وأعلنوا استمرار اعتصامهم لحين الاستجابة لمطالبهم.. ثم بعد مناوشات حاولوا السيطرة على الطريق الجنوبى الذى يربط صنعاء والعاصمة بكل المحافظات الجنوبية المهمة والغنية بالبترول.. وذلك أدى بالضرورة لأن يفض الجيش اعتصامهم بالقوة مما أدى إلى مقتل وإصابة بعض الحوثيين.. إذ إن حصار مطار صنعاء يعد حصارا لليمن كله وعزله تماما عن العالم.

ومن هنا تطور الأمر حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.. وقد تمتع الحوثيون هذه المرة بذكاء سياسى وإعلامى وثورى وخططى لم يعهد علىه اليمن كله من قبل.. فضلا عن الأموال الطائلة التى تكفى للإنفاق على عشرات الآلاف من الحوثيين طعاما وشرابا وسلاحا وعتادا وتفرغا للحرب والنزال.

فإذًا انظروا إلى الخريطة العربية كلها لتدركوا عدة حقائق:

1 ـ أن دعاوى التقسيم وسيطرة الجماعات والميليشيات حدثت فى الدول الجمهورية دون الملكية.

2 ـ أن كل الجماعات والطوائف فى الدولة الوطنية كانت تشكو ظلم وهضم الحكام.. فهل كانت الجماعات والميليشيات فى حكمها الآن للبلاد التى سادت فيها أكثر عدلا ورفقا ورحمة.. أم أنها أكثر بغيا وظلما وهتكا لحقوق الإنسان وجرأة على الحقوق.. ولك أن تتأمل ماذا تصنع داعش والميليشيات الشيعية فى العراق لتدرك فداحة ما نحن فيه.

3 ـ كانت الدولة الوطنية مقصرة فى شئون الصحة والتعليم والتنمية والزراعة والصناعة والسياحة وغيرها.. والآن حكمت الجماعات والميليشيات فى العراق وليبيا وسوريا واليمن.. فهل تحسنت أحوال الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والسياحة فى هذه البلاد؟.. أم أنها ضاعت بالكلية ولم يعد هناك شىء منها على الإطلاق.

4 ـ كانت الدولة الوطنية فى العادة تظلم فصيلا أو جماعة من الناس لأنها تعارض الحاكم مثلا .. والآن بعد سيادة الجماعات والميليشيات شمل الظلم الجميع.. فداعش قتلت بعض المسيحيين وطردت أكثرهم وفرضت الجزية على الباقين وطردت الأزيديين.. وفجرت مساجد الشيعة.

* أما الميليشيات الشيعية فكانت تقتل بالمذهب تارة وبالاسم الأخرى.. وقد تجرى تطهيرا عرقيا فى بعض المدن والقرى العراقية.. ولم يكتف هؤلاء بظلم الخصوم.. ولكن فجروا المساجد والمراقد لبعضهم البعض بمصليها الآمنين.. ولم يتركوا الأحياء، ففجروا قبور الأنبياء ومراقد الأولياء.. متبادلين ذلك فى فخر وخيلاء.

5 ـ لم تقدم أى جماعة أو ميليشيا مظهرا من مظاهر الحضارة الحقيقية لا فى طب أو هندسة أو جراحة أو زراعة أو صناعة ولم تقدم حتى شعرا أو أدبا جيدا .. أو حتى فى فيلم تاريخى واحد.. فى الوقت الذى قدمت فيه الدولة الوطنية الكثير والكثير، وإن شابه الفساد أو المحسوبية.

6 ـ معظم الجماعات والميليشيات التى تسيطر على البلاد ليس لها ضوابط أو قواعد أو أسس للحكم.. وكلها لها تبعية إقليمية تستمد منها الدعم السياسى والعسكرى والمالى.

7 ـ تدعو معظم الجماعات والميليشيات المسلحة صراحة أو ضمنا قولا أو فعلا إلى تقسيم البلاد التى تسيطر عليها.. ولا يهمها مسألة وحدة الأمة إذ إنها تكفر معظم الأمة وتهتم بالفصيل والجماعة ومصالحها أكثر من مصالح الوطن ووحدته.

8 ـ تحرص هذه الجماعات أن تكون أقوى من الدولة نفسها.. مثل حزب الله، الذى يعد أقوى من الدولة.. وميليشيات الشيعة وداعش فى العراق أقوى من الدولة.. وهم جميعا سعداء بذلك وحريصون على استمرار هذا الوضع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved