الأصابع الخفية وراء «الديانة الإبراهيمية»

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 15 نوفمبر 2021 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

بناء على قراءات خاطئة أو على الأقل ناقصة أو مشوهة لأهداف ما أطلق عليه «الديانة الإبراهيمية»، اشتعلت على العديد من المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعى خلال الأسبوع الماضى «معركة غير مقدسة» تصور الكثير من المشاركين فيها أنها تستهدف القضاء على الإسلام والمسيحية، واستبدالهما بدين جديد، لدرجة أن أحد الشيوخ قال ساخرا وهو ينسب هذه «الديانة» للرئيس الأمريكى السابق: «إننا لم نسمع عن رسول جديد اسمه دونالد ترامب، فالنبى محمد هو آخر الأنبياء»، فى حين قال أحد الكهنة إن هذه الديانة تخفى أهدافا سياسية خادعة، وتستهدف فى نهاية المطاف «تهويد» المسلمين والمسيحيين!
كالعادة فى معظم معاركنا الفكرية والثقافية والسياسية التى نخوضها منذ سنوات طويلة بدون معلومات صحيحة ومحددة، أو بحماس زائد يطغى على المنطق، أو بانحيازات عقلية ضيقة منغلقة على ذاتها، كانت معركتنا الراهنة مع «الديانة الإبراهيمية» سطحية للغاية، فترامب لم يكن نبى هذا «الدين الجديد»، كما أن دعاته لا يستهدفون تحويل المسلمين والمسيحيين لليهودية.
ربما تكون المحاضرة التى ألقتها منذ عامين د. هبة جمال الدين عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، والتى يبدو أن معظم من شارك فى هذه المعركة لم يطلع عليها، هى المدخل الصحيح والوحيد المتاح إعلاميا حتى الآن لفهم حقيقية أبعاد هذه الديانة، فعلى حد قولها فإن مصطلح « الديانات ــ وليس الديانة ــ الإبراهيمية» يعود لبدايات القرن الحالى، ليدعم مفهوم «الدبلوماسية الروحية» التى تستهدف حل الصراعات التاريخية الطويلة، والقائمة على أبعاد دينية متشابكة، من أجل تحقيق السلام العالمى استنادا إلى القيم الروحية المشتركة بين الديانات الثلاث كالتسامح والأخوة الإنسانية، كبديل لنظرية صمويل هنتنجتون حول «صراع الحضارات»، أو «نهاية التاريخ» لفوكوياما.
«الديانات الابراهيمية الثلاث» هى إذن أحد أهم أسلحة هذه «الدبلوماسية الروحية»، والتى يجب أن يتحاور ممثلون عنها لوضع «ميثاق دينى» تكون له قدسية سماوية تؤسس للقيم المشتركة بين الأديان الثلاثة، وتنحى خلافاتها العقائدية جانبا، على أن يتولى فريق مشترك من رجال الدين والسياسيين والدبلوماسيين لإقناع الناس بهذا الميثاق، وتوظيفه لحل الخلافات السياسية بين العرب واليهود، ويمكن فى هذا الإطار الاستعانة بقادة الرأى العام والشخصيات المؤثرة فى مجتمعاتها لتسويق هذا الميثاق بين الجماهير، كما يمكن استغلال شيوخ الفرق الصوفية الإسلامية فى هذا المشروع باعتبار أن التصوف لا يقتصر على الإسلام فقط، ولكن على كل الديانات بل وعلى الملحدين أيضا، بهدف الوصول إلى «بوتقة روحية» واحدة تربط بين الجميع، والتى يمكن توظيفها أيضا فى محاربة الفقر فى العالم ــ على حد زعمهم ــ وليس لتجنب الحروب والصراعات فقط!
أصابع خفية عديدة تقف وراء نشر «الإبراهيمية»، منها جهات رسمية غربية، ومنها مراكز بحوث وجامعات مرموقة، بل وهناك قادة دول أيضا يروجون لها على أرض الواقع، فترامب على سبيل المثال استغلها لتمرير صفقة القرن، وفرض التطبيع مع إسرائيل على الدول الخليجية، وربما يكون هناك قادة أيدوها لأسباب أخرى قد يكون على رأسها الحصول على دعم أمريكا والصهيونية العالمية، وربما أيدها قادة آخرون خوفا من غضب واشنطن، أو تقربا للبيت الأبيض لنيل رضاه، وليس اقتناعا بالإبراهيمية أو بأهدافها.
المؤكد أن إسرائيل هى المستفيد الحقيقى الأول والأخير من «الإبراهيمية»، فالشعوب العربية هى التى ستدفع الثمن غاليا من أجل أوهام السلام مع الكيان الصهيونى، فالسلام لن يتحقق إلا بإسقاط الصهيونية ويإقامة دولة فلسطين التى تجمع بين العرب واليهود، وهو ما يدركه جيدا هؤلاء المبشرون بجنة «الإبراهيمية البائسة»، لكنهم يراهنون على خداعنا وسلب المزيد من حقوقنا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved