خديعة القرن

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 15 ديسمبر 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ما عاد لدينا شك الآن فى أن ما سمى بمحاكمة القرن التى انتهت بتبرئة الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأعوانه لم تكون سوى خديعة القرن، وهو ما يسوغ لى أن أقول بأن وصفها بأنها محاكمة القرن لم يكن سوى جزء من الخديعة، أريد به إيهامنا بأننا مقبلون على حدث جلل غير مسبوق. وبعد مضى أكثر من ثلاث سنوات حفلت بالإثارة والترقب (المحاكمة بدأت فى 3 أغسطس عام 2011) تبين أن الأمر لم يكن سوى فرقعة كبرى أحدثت العكس تماما. إذ لم تسفر عن تبرئة المسئول عن تدمير مصر وتقزيمها طوال ثلاثين عاما فحسب، ولكنها حاكمت وأدانت الثورة التى انتفضت ضده وأجبرته على التنحى.

ليس ذلك فحسب وإنما فتحت تلك البراءة الأبواب لعودة رموز نظامه والمنتفعين به لاحتلال مواقعهم. وكان الإعلام الخاص والقوى المختفية وراءه هو الباب الذى تسللوا منه إلى المجال العام.

صحيح أن البراءة تمت بالحكم الذى صدر فى 27 سبتمبر، إلا أن ذلك لم يوقف الدهشة والصدمة التى عبرت عن نفسها فى أصداء لم تتوقف. وكان من أهمها فى الآونة الأخيرة ما قاله الأستاذ محمد حسنين هيكل فى الحوار التليفزيونى الذى أجرته معه الإعلامية لميس الحديدى يوم الجمعة الماضى (12/12). وأدان فيها فكرة محاكمة مبارك بقوانينه ورجاله ووصفها بالمحاكمة «الغلط»، التى كان ينبغى أن تكون سياسية بالأساس.

نكأ كلام الأستاذ هيكل جراحا عدة، فى هذا الموضوع وفى غيره، وهو بذلك فتح ملف المحاكمة والملابسات المريبة التى أحاطت بها. وقد اختزل تلك الملابسات فى قوله إنها تمت استنادا إلى قوانين نظام مبارك ومن خلال أجهزته ورجاله. إلا أن هذه النقطة الأخيرة تفتح ملفا آخر لا يقل خطورة يتعلق بالكيفية التى تم من خلالها تفريغ قضية مبارك من أدلة إدانته هو ومعاونيه، الأمر الذى أريد له أن ينتهى بتبرئة الجميع. وهو ما يثير العديد من الأسئلة الشائكة التى يتعذر التوصل إلى إجابة شافية عليها فى الأجواء الراهنة لأسباب عديدة أهمها أن العوامل التى أدت إلى إضعاف قضية مبارك وتفريغها من أدلة إدانته هو ومعاونيه لم تتغير. بل أضيفت إليها عوامل أخرى استجدت بعد عزل الدكتور محمد مرسى من منصبه جعلت الأمر أكثر تعقيدا وصعوبة. وهو ما أضاف أسئلة أخرى تخص الوقائع التى تلاحقت بعد ثورة 25 يناير 2011 وأفضت إلى ما وصلنا إليه الآن، وإذ تعذرت الإجابة الشافية على الأسئلة المثارة فيما نحن بصدده إلا أن ذلك لا يمنع من توجيه بعض تلك الأسئلة وإيراد بعض الملاحظات حول مسار القضية، على النحو التالى:

• لماذا تم استبعاد تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها رئيس الوزراء فى عام 2011 للتحقيق فيما جرى أثناء الثورة، وكانت برئاسة المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض. وهو التقرير الذى قرر مسئولية الشرطة عن قتل المتظاهرين، وأكد أن أمرا صدر من وزير الداخلية وقيادات الوزارة باستعمال السلاح النارى فى تفرقة المتظاهرين؟ وهو ما يستدعى سؤالا آخر هو من الذى أمر بدفن ذلك التقرير واعتباره كأن لم يكن؟ وأين ذهبت التسجيلات والوثائق وأصول التحقيقات التى جمعتها اللجنة أثناء عملها واستندت إليها فيما خلصت إليه من نتائج أدانت موقف وزير الداخلية الذى ما كان له أن يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين إلا بموافقة رئيس الجمهورية الذى هو رئيس المجلس الأعلى للشرطة؟

• لماذا خرج القاضى الذى حاكم مبارك وأعوانه على ما هو متبع فى القضاء الجنائى، حين لم يحقق بنفسه فى الوقائق المنسوبة إلى المتهمين، واكتفى بتحريات الشرطة وشهادات الشهود الذين كانوا جزءا من النظام السابق والموالين له. ولم يلتفت القاضى إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق الذى سبقت الإشارة إليه، بل لم يستدع أحدا من أعضاء اللجنة شبه القضائية التى قامت بإعداده وسجلت معلومات مناقضة تماما لما قدمته التحريات وأدلى به الشهود الآخرون. فى حين كان ذلك ضروريا لكى يتحقق بنفسه من الأدلة المعروضة عليه. وتلك من بديهيات التقاضى المستقرة فى الدعاوى الجنائية. وكانت النتيجة أنه بتجاهله لوجهة النظر الأخرى فى الوقائع المعروضة فإنه قيد نفسه بتحقيقات لم يجرها بنفسه، الأمر الذى يجرح حكمه وينسب إليه فساد الاستدلال، باعتبار أنه اعتمد على أدلة لا حجية لها.

• بعد سقوط نظام مبارك وإزاء الشك فى جدوى محاكمته استنادا إلى القوانين التى أصدرها نظامه. تواترت الدعوة إلى تطبيق قواعد العدالة الانتقالية. وكان مفهوما آنذاك أنه سيتم اللجوء إلى التدابير القضائية وغير القضائية التى اتخذتها دول أخرى لمعالجة الانتهاكات الجسيمة والجرائم التى ارتكبتها بعض الأنظمة. وورثتها لأنظمة أخرى حريصة على أن تتطهر من مخلفات المرحلة السابقة. وهو ما حدث فى أقطار أخرى يذكر منها عادة ما جرى فى جنوب أفريقيا بعد سقوط نظام التمييز العنصرى فى أوائل التسعينيات وما حدث فى الأرجنتين حين سقط حكم العسكر الاستبدادى فى ثمانينيات القرن الماضى وانتقل البلد إلى الحكم المدنى الديمقراطى.

فهمنا آنذاك أن برنامج العدالة الانتقالية سيشمل أمورا عدة من قبيل رفع الدعاوى الجنائية ضد المسئولين عن الانتهاكات، وتشكيل لجان الحقيقة التى ستتولى التحقيق فى الانتهاكات ومحاولة إزالة آثارها، ثم وضع خطط للتعويض فيما سمى بجبر الضرر وهى تشمل التعويض المادى والأدبى والاعتذار للضحايا. وإلى جانب كل ذلك تمضى خطوات الإصلاح المؤسسى الهيكلى والقانونى. التى تشمل الجهات التى أسهمت فى الانتهاكات، التى تشمل القطاع الأمنى والمؤسسات العسكرية والشرطة والقضائية وغيرها.

ذلك كله فهمناه ووعدنا به. لكن الذى حدث أن التشكيلة الوزارية ضمت فى عام 2013 وزيرا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية (المستشار أمين المهدى) وفى العام التالى شكلت حكومة ضمت وزيرا للعدالة الانتقالية ومجلس النواب. لكن أيا منها لم يفعل شيئا لإنجاز الوعد. إذ صار عندنا وزير ووزارة للعدالة الانتقالية، لكن العدالة ذاتها لم تتحقق. وهو ما يسوغ لنا أن نضيف إلى ما سبق سؤالا آخر هو: من الذى ضحك علينا واستغفلنا طوال تلك المدة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved