المرأة والعنف

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 15 ديسمبر 2018 - 12:15 ص بتوقيت القاهرة

يحتفل العالم هذه الأيام باليوم العالمى للمرأة (25 نوفمبر) والذى يمتد إلى (10 ديسمبر) الموافق لليوم العالمى لحقوق الإنسان، وبهذه المناسبة أعلنت محكمة الأسرة المصرية أن السيدة المصرية هى الأولى على نساء العالم فى ضرب الأزواج؛ حيث أثبتت المحكمة أن 66% من النساء يضربن أزواجهن من إجمالى دعاوى الخلع والطلاق المرفوعة. وقد أعلن مركز بحوث الجرائم التابع للأمم المتحدة أن مصر تحتل المركز الأول عالميا فى جرائم ضرب الأزواج بنسبة 28 %.

إن استخدام الضرب من أحد الطرفين ليس دليل قوة بل ضعف لأن الحوار بينهما توقف، وهكذا نكتشف أن 72 % من النساء اللاتى لا يضربن أزواجهن ليس لأنهن سعداء بقدر ما هن أكثر احتمالا للعنف من الـ28 % اللاتى انفجرن فى وجه الأزواج. ولكى نكون عادلين علينا أن نقول إن النساء اللاتى يعشن فى حوار مع أزواجهن لن يتعدوا 15%، هنا يكون المتبقى 43% من النساء يعشن تحت إرهاب الزوج. وبتحليل هذه الظاهرة اجتماعيًا نكتشف أن ضرب المرأة ثقافة اجتماعية فالعنف ضد المرأة هو الطبيعى وليس العكس. ثم إن القوانين المنظمة للحياة الزوجية جميعها فى صالح الرجل لذلك ليس أمام المرأة إلا أن تخضع وتصمت وتقبل الإهانة إما لتربية أولادها أو لأن ليس لها مأوى سوى بيت الزوج وذلك إن كانت لا تعمل أو أن دخلها لا يعطيها القدرة على الاستقلال.

من الإحصائيات العالمية يعتبر ما بين 113 – 200 مليون امرأة فى عداد (المفقودات) وهؤلاء إما من عداد قتل المواليد حيث يفضل البنون عن البنات أو لأنهن لم يتلقين نفس الطعام أو الاهتمام الطبى المقدم للذكور ويتراوح عدد النساء اللاتى يتم إجبارهن على الدعارة أو بيعهن فى أسواقه بين 700 ألف و4 مليون سنويا ومن بين هؤلاء الضحايا يتم بيع من 120 ألف إلى نصف مليون لقوادين وبيوت الدعارة فى أوروبا ويبلغ الربح من الاسترقاق لأغراض الجنس من 7 ــ 14 مليون دولار أمريكى فى السنة. وبشكل شامل نجد النساء يتعرضن بين الخامسة عشرة والرابعة والأربعين للإصابة بالتشوه أو الموت بسبب العنف الذكورى أكثر من تعرضهن لنفس الإصابات بسبب السرطان والملاريا والحروب مجتمعة، ويستخدم الاغتصاب المنظم كسلاح للإرهاب فى كثير من الصراعات العالمية فى إذلال الأعداء كما شاهدنا ما يفعله داعش مع البنات والنساء الأيزيديات. وكل امرأة يتم قتلها يقابلها عشرات ممن أصبن بجروح نفسية وجسدية ناهيك عن التشويه ــ هناك 2 ــ 3 ملايين حالة من حالات تشوه الأعضاء الجنسية للإناث كل عام ــ ولا يفوتنا هنا أن الدول والحكومات تلعب دورا فى هذا الأمر لأنها تتبنى الأنظمة الأبوية التى تجعل السيطرة للرجال والكبت للنساء والبنات. ويتم ذلك فى جميع المراحل:
ففى مرحلة ما قبل الولادة: الضرب أثناء الحمل ــ الحمل الإجبارى ــ الحرمان من الطعام والسوائل ــ الإجهاض بسبب نوع الجنين. ثم مرحلة الرضاعة: وأد البنات – التفرقة فى الحصول على الطعام والرعاية الصحية – الأذى العاطفى والبدنى. مرحلة الطفولة: زواج الأطفال – الختان – الإساءة الجنسية على يد أقارب وغرباء – التفرقة فى الحصول على الطعام – بغاء الأطفال. مرحلة المراهقة: الاغتصاب – الاغتصاب فى إطار الزواج – الاعتداءات الجنسية – الإكراه على البغاء – الاتجار فى النساء – التحرش ــ الاكراه الجنسى لأسباب اقتصادية. مرحلة سن الانجاب: الإساءة إلى النساء من الشركاء والأذى النفسى والإساءة إلى النساء ذوات الاحتياجات الخاصة والتمييز القانونى. مرحلة الشيخوخة: الإساءة لكبار السن من النساء.

***

والسؤال هل هذا الموقف من المرأة كان منذ البدء؟ يؤكد المؤرخون أن «الأنثى هى الأصل» وإذا كانت الأنثى حقا هى أصل الخليقة فكيف تم لها ذلك؟ ومتى؟ ولماذا ارتفعت إلى مصاف الآلهة ولماذا – فيما بعد – أنزلت المرأة منزلة التابع؟ وكيف تم للرجال اكتساب السلطة والسيطرة التى سمحت لهم بإعادة تنظيم العالم وفق رؤاهم وأهوائهم؟ كل من بحث فى الآثار القديمة وصل إلى أن المرأة كانت مقدسة باعتبارها الكائن الأقدس الأساسى، واتفقوا على أن معظم المجتمعات كانت – أصلا – تعتمد على النسب والنظام الأمومى، وذلك قبل الأديان أى من الألف العاشرة وحتى الألف السادسة ق. م، حيث نجد أن التحولات الجذرية التى تمت فى هذه المرحلة نقلت الإنسانية من مرحلة الصيد والالتقاط إلى مرحلة الاستقرار الذى أطلق عليه بعض العلماء ثورة العصر الحجرى الحديث (الزراعة)؛ فاكتشاف الزراعة هى التى أجبرت الإنسان على الاستقرار، من هنا ظهرت تجمعات صغيرة تحولت إلى قرى ثم إلى مدن صغيرة وكبيرة وبالطبع تواكب ذلك مع تطور هام فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية والسياسية.

يقول «ول ديورانت» فى موسوعته قصة الحضارة «فى عصر الصيد كانت المرأة تفعل كل شيء ماعدا الصيد وأن التحول الأساسى ظهر عند اكتشاف أهم عامل اقتصادى على مدى الزمان وهو معرفة ما يمكن أن تنبته الأرض من نبات؛ فالمرأة هى التى اكتشفت الزراعة وربت الحيوانات واستأنستها فى الكوخ الذى كانت تعيش فيه واستخدمت لحمها للأكل وصوفها وجلدها ولبنها ما ساعد على رد خطر الجوع والبرد عن منزلها»، ولقد لعبت المكانة الاجتماعية للنساء فى تلك العصور دورا كبيرا فى رسم التصور الدينى، وبما أن النساء قد لعبن دورا حاسما فى تأهيل النباتات فقد أصبحت خصوبة الأرض متضامنة بالخصوبة النسوية، وهنا أصبحت المرأة تعرف سر الخلق أنه يتعلق بسر دينى، لأنه يحكم أصل الحياة، الغذاء والموت، فالحقل مثل المرأة لأن النساء ابتكرن الزراعة. فقد كن – نظرا لقيامهن بجمع الثمار يعرفن السام من المفيد وأسهل النباتات زراعة وأوفرها غلة من هنا جاء اختراع الأدوات الزراعية. ذهب «لويس سمفورد» فى كتابه «المدينة على مر العصور» إلى أن خصوصية الجنس ظاهرة فى اختراعات النساء فى أرجاء قرية العصر الحجرى الحديث «السياج الواقى للبيت والفرن وحظيرة الماشية وصهريج المياه وحجرة التخزين... إلخ»، ولقد أوضح ذلك قدماء المصريين برموزهم فالرمزان اللذان يدلان فى اللغة الهيروغليفية على (البيت) و(المدينة) يمكن استخدامهما للدلالة على «الأم» فالمرأة إذن متضامنة صوفيًا مع الأرض.

***

وهناك رجل دين هندى اسمه سموحلا رفض شج الأرض واعتبرها من الذنوب وكان يقول «أتطلبون عزق الأرض أيسوغ لى أن آخذ سكينا وأغمده فى صدر أمي؟ فعندما أموت لن تعيدنى إلى حضنها». ولذلك الديانة الجديدة فى ذلك الوقت كانت ديانة زراعية فى اعتقادها وطقسها تتركز حول إلهة واحدة هى سيدة الطبيعة الربة العظمى، الجدة المقدسة، وعبدت منذ 7000 ق.م، وبعض العلماء يرجعونها 25000 سنة. فمن المحتمل أن تكون عبادة الإلهة الأم قد سبقت ممارسة أى إله آخر، واعتمد العلماء فى ذلك على التنقيبات الأثرية من دمى أنثوية ترمز إلى شكل الإلهة من قوى الخصوبة والإنجاب والولادة. وكما تعلمون مازالت خصوبة الأرض فى المجتمعات الزراعية إلى يومنا هذا مقترنة بخصوبة النساء، ويتضح من ذلك أن العصر الحجرى الحديث كان عصر النظام الأمومى الذى ابتدعته المرأة وقد تُرجم ذلك إلى سلطان سياسى على العشيرة أو القبيلة أو القرية.
مرحلة ما قبل الأديان السماوية كانت آلهة العدالة عند المصريين القدامى أنثى تدعى «ماعت» وهى التى حكمت بأحقية أوزير فى حكم مصر وذكر «هنرى بريستد» فى كتابه «فجر الضمير» أن رع وأوزير كانا شبيهين بالإنسان العادى واصطبغا بالصبغة الألوهية، أما «إيزيس» فقد وصفت بعدة صفات من أهمها «الطاهرة». وتكررت هذه الصورة بعد ذلك فى العالم كله ففى فرجينيا «أم مقدسة» وفى أثينا «الإلهة أثينا» وفى قبرص «أفروديت» وفى كريت «أرطاميس»، وكان يستحب تمثيل إيزيس مع رضيعها وهى تعطيه ثديها فى وضع يذكرنا بتماثيل وصور السيدة العذراء. ولقد لقبت إيزيس بـ «الأم العالمية» ولهذا السبب ابتلعت الإلهة إيزيس جميع الآلهة العالمية الأخرى التى كانت تُعبد فى أوروبا. والسؤال هو أين المرأة المصرية أو الشرقية حفيدة إيزيس من هذا التاريخ العريق العظيم؟ وكيف سمحت المرأة المصرية أن تبتلعها المرأة الأوروبية؟! أما المناصب التى وصلت إليها المرأة الفرعونية فهى «إلهة العدل والحصاد والكتابة والجمال والإخلاص وكاهنة مرتلة وكاهنة موسيقية وفى مصر القديمة حكمت المرأة مصر أكثر من سبع مرات وكانت آخرهم كليوباترا».
ترى إلى متى نتغنى بالماضى ونعجز عن تصحيح الحاضر وصنع المستقبل؟!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved