رسالة إلى حاملي الدكتوراه

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 15 ديسمبر 2019 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

سنة 2003 وهي سنة حصولي على درجة الدكتوراه وصل إلي كتاب بعنوان (A PhD is Not Enough) أو "الدكتوراه ليست كافية" للمؤلف العالم الدكتور بيتر فيبلمان (Peter J. Feibelman)، هذا الكتاب وقع في يدي في توقيت سئ لأنك عندما تحصل على درجة الدكتوراه تظل فترة منتشياً وتظن أنك قد حصلت العلم من جنباته إلا من رحم ربي ربما كنت إلى التواضع أقرب لو كنت قد حصلت على الدرجة في سن كبيرة نسبياً لكن كلما صغر السن زاد الغرور، كنت على مشارف التاسعة والعشرين من العمر آنذاك ومازال حماس الشباب والنظرة الضيقة بأن حامل الدكتراه عالم كبير مسيطرة علي، لكن عند قراءة هذا الكتاب وبعد مرور كل تلك السنوات بدا لي كم السذاجة التي كانت تعتريني آنذاك ومازالت في بعض الأحيان حتى الآن!

 

في هذا المقال أحببت أن أشارك القراء في بعض الأمور التي رأيتها وتعلمتها بعد مرحلة الدكتوراه وبعض الأسئلة التي أرجو أن يسألها حاملو الدكتوراه لأنفسهم ويجيبون عنها بينهم وبين أنفسهم لأنها ستساعدهم كثيراً أو هكذا أرجو.

 

أول شئ نلاحظه أن المعلومات لها عمر تصبح بعده غير ذات فائدة خاصة في التخصصات العلمية، من المبالغات الطريفة ولكنها تحمل شيئاً من الحقيقة أن نقول لطلبة السنة الأولى في هندسة وعلوم الحاسب أن ما سيتعلموه في سنة أولى سيصبح قديماً أو خطئاً عندما يصلون إلى السنة الرابعة، التكنولوجيا تتغير بسرعة، بعض لغات البرمجة التي تعلمناها وقت الدراسة إندثرت ولم تعد تستخدم، تصميمات أجهزة الكمبيوتر التي درسناها في فترة الدكتوراه أصبح الكثير منها يصلح للوضع في المتاحف وهكذا الحال في أغلب التخصصات العلمية، إذا كنت ستركن لدرجة الدكتوراه التي حصلت عليها ولن تواظب على متابعة الجديد فستصبح جاهل بعد عدة سنوات قليلة للأسف ولن يتبقى من الدكتوراه إلا حرف الدال والنقطة.

 

الدكتوراه لا تعلمك كل شئ حتى في تخصصك، التخصصات العلمية واسعة وفي مرحلة الدكتوراه ستركز على نقطة صغيرة فيها ولكن بعد تخرجك ستعمل في مجالك الواسع ولن تظل في تلك النقطة الضيقة التي قد تندثر وتصبح أثراً بعد عين في محيط العلم، هذه الملحوظة مهمة خاصة في الدول التي لا تشترط دراسة بعض المواد الدراسية قبل البدء في العمل على الرسالة مثل بعض الدول الأوروبية لأنك حينها ستركز فقط على تلك النقطة الضيقة وما يتصل بها ولن تدرس المواد الدراسية التي تعطيك النظرة الأكثر شمولاً، مرحلة الدكتوراه أيضاً لن تدربك على مهارة الإشراف العلمي على الطلاب ولا كيف تحصل على تمويل لأبحاثك ولا كيف تنشئ مادة دراسية جديدة إن كنت ستعمل في مجال التدريس، إذاً لا تعتمد على الدال نقطة وتظن أنك عالم، حتى وإن كنت قد بذلت جهداً كبيراً وأنفقت من عمرك سنوات للحصول على الدرجة.

 

الدكتوراه ليست هبة  وهذه النقطة موجهة للمشرفين على طلاب الدكتوراه، هناك حالات كثيرة يعطي فيها المشرف الدرجة للطالب حتى وإن كان البحث ضعيفاً، تأخذ المشرف شفقة بالطالب بعد أن بذل الجهد لعدة سنوات، رأيت ذلك في الداخل والخارج، هل هذا صحيح أم لا؟ هذا سؤال مازال مطروحاً للنقاش.

 

نأتي إلى السؤال الأهم: لماذا تريد الحصول على تلك الدرجة العلمية الرفيعة؟ ولتكن صريحاً مع نفسك، هل تريدها لأنك تحب العلم وتريد المساهمة في تقدمه؟ أم تريدها لأن فيها زيادة في المرتب وترقية في العمل؟ أم تريدها من أجل المظهر الإجتماعي؟ لو نطق الناس إسمك بدون لقب دكتورهل ستعتبرها سبة أو ستشعر بالغضب حتى وإن لم تظهر ذلك؟ هل دائماً تقول لنفسك أنك قد أتممت الدكتوراه وحان الآن وقت جني المال؟ قد تقول أن الجميع يفكر بتلك الطريقة فنحن لسنا ملائكة وهذا صحيح ولكن لو كان تفكيرك كذلك طوال الوقت سيستنزف ذلك من طاقتك التي ستستخدمها في تجميل مظهرك الإجتماعي بدلاً من تحديث معلوماتك.

 

هذا المقال مجموعة من الخواطر موجهة لنفسي قبل أن تكون موجهة للقارئ ففخ الدكتوراه أو بالأصح فخ لقب الدكتوراه ليس من السهل الفكاك منه. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved