الرياض ــ السعودية متى القصيدة فى قلب الشعر؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 16 يناير 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الرياض السعودية مقالا للكاتب هنرى زغيب، تحدث فيه عن أسس كتابة الشعر حتى لا يفقد جوهره، فلا يكون بسيطا رخوا ولا معقدا مليئا بالألفاظ الألعبانية، مؤكدا أن الشاعر إذا التزم بهذه الأسس ستكون النتيجة شعرا مليئا بالجماليات والإبداع الذى يصل إلى روح وإحساس المتلقى.. جاء فيه ما يلى.

أتجاوز الحوار المتعاكس فى بلاط الخليفة العباسى إذ راح أبو تمام يمدحه بقصيدة «مكتظّة» بالمحسنات البديعية والبلاغية، حتى إذا انتهى من إلْقائها بادره الفيلسوف الكنْدى متجبِّرًا: «لماذا تقول ما لا يُفهم» فأجابه الشاعر متكبِّرًا: «ولماذا لا تفهم ما يقال»؟
أتجاوز، قلتُ، ذينَك التجبُّر والتكبُّر، لأن كليهما مخطئٌ وخارج السياق: فى سؤال الكندى تسرُّع وفى جواب الشاعر تذرُّع، وجوهر الشعر خارج هذين التسرُّع والتذرُّع.
المتلقى الذى يطلب الشعر تبسُّطًا رخوًا، يقتل جوهر الشعر الذى ليس مجرد سرد أفقى مسطح بل هو السطوع اللغوى الجميل على بساطة، البديع على أناقة.
والشاعر الذى يتعمد فى شعره التعقيد فى التعبير، والألعبانيات اللغوية الفارغة، والبراعات اللفظية المجانية، وبهلوانيَّات الغموض الأجوف فى الصورة، هو الآخر يقتل جوهر الشعر.
وكلاهما، الشاعر والمتلقى، يؤذى هالة الشعر حين يرى «شِعرًا» كل كلام منظوم ولو بارد، منضبط عروضيًّا ولو سردًا مملًّا، سليم التركيب الوزنى المدرسى، باهت القافية ولو مشدودة كى تختم البيت.
من الشعر المتجَاوَز وصفُه «شعرًا»: الوصفى، السردى، الحكمى، القصصى، الملحمى، وما إليها من أبواب مماثلة ومواضيع شبيهة لا فرق بينها وبين النثر الـمُرسَل سوى انضوائها فى عمود الشعر.
الشعر العالي ــ ولا يؤْتى إلّا لعباقرة الشعراء ــ هو الذى يولِّدُ فى المتلقّى شعورًا بـ«الحالة الثانية»، حالة الارتقاء بنشوة الروح إلى أحاسيس مفاجئة جماليّا، مباغتة إبداعيّا، مؤاتية الحفْظ، خارج مألوف الكلام شعريّه والنثريّ.
و«ديوان» الشعر العربى حافل بآلاف الأبيات التى، إذا تناولها النقد الجمالى، تسقط فى الإسفاف النظْمى المتراصف فى القصيدة العمودية صدرًا تمهيديّا، عجُزًا تكميليًّا، رويًّا ضعيفًا، قافيةً لاهثة، حتى إذا «انفرط» عقد العروض منه لا يخسر معنى ولا مبنى.
أما بدعة «بيت القصيد» فهى أضعف ما طلع به قدامى الشعراء فى ثرثرتهم أبياتًا، تقلّ أو تكثر، مرصوفة فى القصيدة العمودية فوق بعضها البعض تمهّد لـ«البيت» الذى يعتبره الشاعر «بيت القصيد»، يتعكّز على ما قبله كى يكون البيت المحورى فى القصيدة.
الشعر الشعر: أن يكون كل بيت فى القصيدة مشغولًا بالدقة ذاتها التى يتأنى فيها الشاعر كى يصل إلى «بيت القصيد» المشغول، وهذا أحد معايير على الشاعر أن يتأنّى بها ويتأنّق، حتى تكون قصيدته فى الشعر لا فى النظم، ويكون نصُّه مميَّزًا فى قلب الجوهر النادر الذى هو الشعر.
ومن يبلُغ أن يجعل كل بيت فى قصيدته «بيت القصيد»، يكون هو الشاعر الشاعر، وتكون قصيدته فى قلب الشعر الخالد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved