المواطنة وحرية الاعتقاد

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الإثنين 16 يناير 2023 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

تُعرّف المواطنة بأنها علاقة قابلة للمساءلة بين الدولة والأفراد الذين يعيشون في أراضي هذه الدولة، كما أنها تصف حالة فرد ما معترف به بحكم العرف أو القانون بوصفه عضواً في بلد ما.

كما تشمل المواطنة العلاقة بين الأفراد داخل الدولة، ويمكن للفرد أن يكون مواطناً لعدة أسباب.. منها أن يكون مواطناً لأنه ولد في هذا البلد، أو يكون متزوجاً بمواطنة أو بسبب حصوله على جنسية هذه البلد.

وهناك ملامح أساسية للمواطنة منها أن تلتزم الدولة سياسياً وقانونياً بقابليتها للمساءلة تجاه المواطنين والمواطنات، وأن يكون المواطنون والمواطنات قادرين على مطالبة الدولة بحقوقهم، وأن تلتزم الدولة بتفسير أفعالها لهم، وأن يكون المواطنون والمواطنات قادرين على محاسبة الدولة إن كانت أفعالها غير مرضية لهم.

وللمواطنة أربعة أبعاد.. البعد الأول هو المواطنة الرسمية أو الوضعية القانونية للمواطنة، وهذه العضوية تمنح المواطن أو المواطنة حقوقاً وامتيازات وتفرض عليه التزامات. البعد الثاني يختص باستحقاقات هذه الحقوق والامتيازات والتمتع بها، ويشمل ذلك الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية.

البعد الثالث قدرة المواطن والمواطنة على المشاركة النشطة في العملية السياسية. أما البعد الرابع والأخير فهو الشعور بالانتماء أي بالروابط العاطفية التي تربط الفرد بجماعة، والمواطنة تمنع الإقصاء أو التهميش بناء على الهوية أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.

• • •

يجب على المواطن أو المواطنة أن ينخرطا في منظمات المجتمع المدني ونشر القيم والممارسات المدنية وحكم القانون، وأن يسود الوطن القيم الثقافية والمبادئ الأخلاقية ذات الصلة بحقوق ومسؤوليات ممارسة المواطنة التي تشمل العدالة والثقة والكرامة والمساواة بين المواطنين، من الجنسين، والتراحم والتسامح واحترام الآخرين. كما أن الإعلام العالمي لحقوق الإنسان يورد الحرية والكرامة والتسامح والسلام بوصفها قيما مدنية أساسية..

كل هذه الموضوعات التي نثيرها كانت بسبب مأساة الطفل شنودة الذي وجد أمام أحد كنائس فأُنتزع من أبويه ووضع في دار إيواء.. هذا المواطن تنطبق عليه شروط المواطنة بكل المعايير، وقد ناقشنا هذا الأمر في المجلس القومي لحقوق الإنسان وأشارت رئيسة المجلس أن المجلس سيناقش آليات التحرك في تلك المرحلة والتي ستبدأ التواصل مع الجهات المعنية في وزارة التضامن ثم اللجوء إلى المحكمة الدستورية ومجلس النواب.

أشارت السفيرة في خطابها أن ما يحدث في واقعة الطفل شنودة خرق لحقوق يكفلها الدستور والقانون والمواطنة. وكذلك ذكرنا الالتزامات الدولية التي قبلتها مصر موضحة أن الدستور المصري يؤكد أن من حق الطفل أن يعيش في أسرة والأسرة أفضل له من دار الرعاية، والمسألة ليست لها علاقة بالدين ولكنها حقوق الإنسان التي يجب أن تحترم.

• • •

الحقيقة أن واقعة الطفل شنودة ليست وحيدة، بل هناك العديد من القصص المشابهة التي لم تصل إليها يد الإعلام، بل تظل قيد الكتمان والستر، ولكن الواقع يحتم ظهورها لإيجاد تيار مؤثر يعمل على ضرورة تغيير نهج المشرّع المصري في الاستناد إلى الخطاب الديني والمذهبي في قوانين الأحوال المدنية والشخصية.

لقد حظرت الدولة المصرية التبني بمفهومه الأوسع عندما أصدرت قانون الطفل سنة 1996 وأجرت عليه عدة تعديلات حيث اعتمدت بدلاً من ذلك "نظام الأسر البديلة" الذي نص على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية "خاصة مجهولي النسب" بأسر يتم اختيارها وفقاً لشروط ومعايير تؤكد صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلال لهم أو لمصالح ذاتية.

ومن شروط وأحكام نظام الأسر البديلة أن تكون ديانة الأسرة نفس ديانة الطفل، وهذا المفهوم بنسب الطفل إلى الأسر البديلة لم تكن فيه مشكلة لدى الأقباط وكان معمولاً به حتى سبعينات القرن الماضي لكن "باب التبني" أزيل مع مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.

فكيف تنظم هذه المسألة وكيف يتحقق المبدأ الدستوري الأهم بأن المصريين أمام القانون سواسية لا فرق بينهم على أساس الدين والجنس والعرق؟.. وهذا ما ذكرته في المقالة عن ما نص عليه الدستور في المساواة بين جميع المواطنين.

إذن، على البرلمان والجهات المشرّعة الآن المطالبة بتعديل قانون التبني الخاص بالمسيحيين طبقاً للقوانين واللوائح، أو وضع قانون أحوال شخصية مدني لا يميز بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس الدين أو المذهب أو الجنس.

هناك البعد الإنساني.. هل يحق لأي كائن من كان أن يحرم طفل من حنان الأسرة بعد أن عاش معهم أربع سنوات؟! هل تتكاتف منظمات المجتمع المدني في إعادة الطفل لأبويه؟! وعندما يكبر يختار هو من يريد أن يبقى معه ويختار كذلك الديانة. هذا هو الإنصاف الذي نتمنى أن يسود هذا الطريق.

إن منظر الأبوين وهما يبكيان بحرقة لفقدان طفلهم يجب أن يثير مشاعر الشعب المصري الذي يتمتع بحس إنساني كبير.. وليقف المتشددون على بعد من هذه القضية حتى يعاد الأمر إلى نصابه. ويتحرر الطفل من دار الإيواء التي لا نعلم كيف يعاملون الطفل فيها بتغيير اسمه من شنودة إلى يوسف! منتهى الجبروت ومنتهى التجني على طفل صغير يتطلع إلى حياة أفضل.

• • •

ترك الطفل أمام كنيسة يؤكد أن هذا الطفل ينتمي إلى عائلة مسيحية، هل من مستجيب لحل هذه القضية الإنسانية القانونية الدستورية التشريعية؟! نحن نتمنى ذلك وفي الانتظار.

أن يكون الطفل مسيحياً لن يزيد من أعداد المسيحيين في مصر ولا يقلل من أعداد المسلمين في مصر! هذه قضية بعيدة تماماً عن مجال الدين.. هي مسألة إنسانية بحتة يجب أن ننظر إليها بهذا المنطق لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved