أسئلة داود

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

 دائما ما يثير المخرج داود عبدالسيد بداخلى جدلا كبيرا وحركة عراك وصخب تشترك فيه كل حواسى العقلية والعاطفية أثناء وعقب مشاهدتى لفيلمه، ربما أكون مخطئا إذ أشاهده فى كل مرة بأفكار مسبقة عن أفكاره وأطروحاته التى قدمها فى أعماله السابقة، والتى تترك بداخلى تساؤلات عديدة حول نظريته للإنسان وللخالق.. نظرته للثابت والمتغير، إيمانه بأشياء وعدم إيمانه بأشياء أخرى، وربما أكون على صواب فى رؤيتى له منذ بدايته كمخرج متوحد الفكر والرؤية والهدف، وكسينمائى يكشف عن شهادته حول الحياة ويسرسبها قطرة قطرة مرتديا فى كل مرة ثوب إنسان جديد لكنه متوحد الملامح ويبدو إنسان العصر فى كل أعماله إنسانا مذبذبا، لا يقف على أرض صلبة.. غامض المصير رغم أنه فى كثير من الأحيان يبدو كأنه يملك زمام أموره لكنه يفرط فيها بفعل عوامل عدة.

فى فيلمه الأخير «رسائل البحر» ترك داود عبدالسيد مصير بطله الشاب «يحيى» خاضع لقدرية الحياة، ولرياح الزمن ولنبوءة رسالة مجهولة من عمق البحر التى تحمل فى طياتها علامات غير مباشرة لقدر هذا المواطن.

داود عبدالسيد رغم أنه لا يؤمن بخرافات الغيب، إلا إنها ــ الخرافات ــ تشكل جزءا لا يتجزأ من مفرداته التى يفجر عبرها الواقع الذى يراه وهو يسلم به فى النهاية ويجعلك تستسلم له.

داود عبدالسيد له معادلة خاصة وذكية تجعلك تظل طوال الفيلم تحاول فك شفرتها والوصول لحلها ومعناها الحقيقى.. قد تبدو لك سهلة لكنك تكتشف أنها معقدة للغاية،وتفجر بداخلك تساؤلات عديدة بعد أن تضعك مكان البطل تماما، فأنت تهمس بينك وبين نفسك، هل أنا أعيش بحق، وما معنى حياتى التى أعيشها، هل أملك القدرة على الحلم، أم أن شريط حياتى كوكتيل من الكوابيس التى تحيكها ظروف اجتماعية وسياسية وإنسانية.. هل أنا حاكم لنفسى أم محكوم بها؟!

وبعيدا عن هذه الأسئلة التى تلازمنى فترة طويلة عقب مشاهدتى للفيلم أجد صورة أخرى تلح على وتشبع وجدانى كمشاهد عاشق لسينما داود عبدالسيد صورة مليئة بالجمال بعين أحمد المرسى ويزيد من بريقها حوار ذكى مغزول بحنكة شديدة ونقلات مثيرة تتلهف إليها وتترقبها وكأنها لمشاهد أكشن، وهى أبعد ما تكون عن ذلك.. فحكاية فيلمنا شديدة الرومانسية والواقعية، وكم أبهرنى آسر ياسين ذلك الواعد وهو يؤدى دوره بقدرة فائقة وسلسة، خاصة فى تأتأته وصعوبة نطقه للكلمات التى عبرت بصدق عن مأساة التعبير عن أحلام يحيى، وكذلك بسمة التى ازدادت رونقا وتلقائية وهى تجسد شخصية نورا ومعهما قابيل «محمد لطفى» وهو يقاوم فقدان الذاكرة بفضل مخرج واع، ولا أنكر فضل ثنائى داود عبدالسيد بل وجناحيه الذى يطوف بهما للتعبير عن عالمه وأفكاره وهى الموسيقى التصويرية لراجح داود والمونتاج لمنى ربيع وقد لعبا دورا مميزا فى وصول الرسالة التى لم تبد لحظة أنها رسالة عادية رغم أن قصة الفيلم بسيطة فنحن أمام «يحيى» خريج الطب الذى يجد نفسه بمفرده ويقرر الذهاب إلى الإسكندرية محاولا العثور على ذاته هناك يلتقى بعوالم عديدة، قصة حب وهمية أخرى حقيقية، عطف واستغلال.. ثورة استسلام.. وفى النهاية نجح داود فى أن يرسخ الوازع البشرى.. دع الخلق للخالق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved